الأحد، 16 مايو 2010

البدايات دائما الأصعب

تظل البدايات هي دائما الأصعب، والأكثر ترقبا، وتوجسا، وريبة..

فبرغم كل ما قد يسيطر على الإنسان من مشاعر الثقة، والإيمان، والعزيمة، بل والسعادة أحيانا حين يقدم على عمل جديد بالنسبة له، يظل ذلك الإحساس بالترقب والرهبة يسيطر عليه، ويثير بداخله الكثير من المخاوف والوساوس التي لا مهرب منها إلا إلى الله رب العالمين فهو سبحانه الذي يؤتي كل نفس هداها، وهو الذي يقدر النجاح والفشل، ولعل هذا ما يفسر تلك الرهبة، فالإنسان مهما أوتي من علم، وقوة، ومهما عد واستعد، وحشد الحشود، وتسلح بكل علم وأمل يبقى توفيقه أو عدم توفيقه بيد الله سبحانة، فمن منا يملك من أمر نفسه شيئا؟!

لا أزال أذكر تلك السعادة التي غمرتني حين علمت أن علاجي الكيميائي القادم سيكون على شكل حبوب، ولكن تكون أدوية سائلة على شكل محاليل كما في المرة السابقة، لقد استكانت أوردتي المسكينة راحة حين شعرت أنها قد فرت من هذا الألم الذي كان يعتريها حين تنساب فيها تلك السوائل، وفر جسدي من ذلك الضعف والشحوب الذي يسيطر عليه، وكانت سعادتي أكبر حين علمن أن تلك الأدوية لن يكون لها آثار جانبية تذكر إلا بعض الطفح الجلدي، ياله من أثر طفيف إذا قورن بما سبق!

وشتان مابين تلك السعادة وبين الترقب الذي ألم بي في أول يوم يفترض أن آخذ فيه تلك الحبوب، لقد كنت مثل الطالب البليد الذي يفر من واجباته ويختلق الأعذار ليضيع الوقت هنا وهناك، أتهرب من تناول أول حبة بكل وسيلة، ولكن لم يكن أمامي بد في النهاية إلا الإستسلام، وتناولت الحبة الأولى ثم الثانية، ومرت أيامي الأولي ومشاعر الترقب والرهبة تسيطر علي، يا نفسي أين السعادة التي كانت؟! لما هذا التوجس؟! إنه ذات الإحساس الذي ألم بي حين ذهبت لأخذ أول جرعات الكيماوي، وكنت أرى في عيون أمي والممرضات الدعم والتشجيع والمؤازرة، ولكني اليوم في منزلي، مع جدران بيتي، وجدران خوفي منفردين، لا أجد غيرك ربي، أعني على ما ابتليتني، فأنا لما أنزلت إلي من خير فقير.

ولدي والطائر الصغير

رغم معرفتي ان من آمن أن القرآن يشفيه يقينا فإنه بالفعل يشفيه، والتزامي قراءة القرآن والرقية الشرعية منذ علمت بمرضي، إلاأنني كثيرا ما شعرت بأنني لا أملك هذا اليقين، وتساءلت عن هذا اليقين، و حقيقتة؟ وكيف نصل إليه نحن من عشنا حياة مادية لاتؤمن إلا بالمحسوس والملموس والمقدمات والنتائج، فرغم حرص الكثيرين منا على الرقية إلا أن الأمر بالنسبة لهم لا يتعدى كونه إحياءا للسنة، وإبراء للذمة على مبدأ "ومعذرة إلى ربكم"، ولكن ماذا عن اليقين الذي يأتي معه الشفاء؟، لقد ظننته شيئا غير موجود في عالمنا ومن الصعب الوصول إليه، فأكثرنا حين يرفع يدية بالدعاء يكون في قلبه شيئا من الجمود أو التبلد أو الجفوة، لا أعرف تحديدا كيف أسميها، ولكن هذا ليس الإيمان كما أتخيله، وليس القرب كما اتصوره، ذلك القرب الذي يملأ القلب نورا والفؤاد شوقا وحبا وتسليما، لقد عشت أيامي اجتهد وأسأل ربي هذا الأمر وكنت أظنه غير موجود، حتى في أحلك لحظات محنتي ظلمة كنت أشعر بشيء قاس يحتل فؤادي، ابتهل فلا تدمع عيناي، وان بكت العيون فلا يرتجف القلب، هناك شمعة لا تزال لم تضيء بعد، ولولا أنني شعرت بحلاوة ضوئها في لحظات قليلة كأنها الحلم لظننت أنها غير موجوده وأنني أسعى وراء السراب.
وجاءت الحظة التي رأيت اليقين ماثلا أمامي حقا، كان ذلك منذ أيام حين مرضت دجاجة ابني الصغير، وقفت المسكينة في أحد الأركان رافضة الماء والطعام، بالكاد تفتح عينيها، حاول معها بكل السبل دون جدوى فغادر وعقله لا يتوقف عن العمل في البحث عن وسيلة ناجعة لإنقاذ طيره المسكين.
بعد لحظات اقترب مني في تردد قائلا: هل يمكنك أن تقرئي عليها ما تقرئيه علينا من قرآن عندما نمرض؟
سيطرت على تعبيرات وجهي حتى لايشعر بأنني قد أسخر منه ومن محاولاته التي لا تعرف اليأس، واقترحت عليه ان يقوم هو بالأمر بنفسه، ثم لقنته ما سيقول، غاب لبعض الوقت ثم عاد وقد ملأت السكينة وجهه بعد أن أتم المهمة، وأمضى بقية يومه في الإبتهال إلى الله أن ينقذ طائره الصغير.
في صباح اليوم التالي، قمت لصلاة الفجر وأنا متلهفة لأرى ماذا حدث للدجاجة الصغيرة، وكانت المفاجأة لقد عادت لنشاطها المعهود ولشهيتها للطعام والشراب، لا أعرف لماذا شعرت بسعادة لا حدود لها، المشكلة في يقيننا وليس في القرآن، لقد ملك الطفل الصغير اليقين الذي لا تشوبه الشكوك والظنون، ولم تلوث صفحته الذنوب، ملك الفطرة التي تستطيع أن تؤمن يقينا وصدقا، ولهذا جنى ثمرة إيمانه غضة يانعة، هكذا يكون اليقين ومن هنا يأتي الشفاء،ولكن يبقى السؤال كيف السبيل لهذا اليقين؟، وكيف ننقى فطرتنا التي لوثتها أياد مدنية لهثنا وراءها فأكسبتنا الراحة والرفاهية وقسوة القلوب؟
ربي برحمتك استغيث، فأنت ملجئي وملاذي فأعني، وخذ بيدي إلى دوحة ايمانك الغناء حيث السكينة والطمأنينة واليقين.