الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

وما أدراك ما الكيماوي

ارتبطت كلمة الكيماوي لدى الناس يالحرب، فهي تذكرهم بالسلاح الكيماوي والكمامات، وعلي الكيماوي، ولكنها الكلمة بالنسبة لي ولغيري من مرضى السرطان تعني الكثير، إنها أنهار من المواد تجلسين مستسلمة لساعات تاركة إياها تتدفق داخل أوردتك، تسير معها لمكختلف أنحاء جسدك مدمر تلك الخلايا العنيدة المتمردة المتسرطنه.
وعليك أن تتعايشي مع هذه الحرب وتتقبلين الضحايا التي تسقط خلالها من خلايا سليمة مسكينه ومن كريات دم حمراء تموت مسببة لك الأنيميا ومن خلايا بيضاء يتراجع عددها مسببة لك نقص المناعة، ومن الآثار الأخرى من سقوط الشعر وشحوب الوجه ، وأنت تدعو الله أن يتنيهي هذه الحرب على خير وتخرج منها منتصرا.
لقد كانت أصعب فحوصات أجريتها تلك التي تلت بداية العلاج الكيماوي وتحيدا بعد الجرعة الثالثة لأعرف هل إستجاب جسدي للعلاج أم أن علي أن أتقبل البقاء أسيرة هذا المرض حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
لقد كانت اللحظات التي قضيتها وعيناي معلقتان بشفتي طبيبي المعالج وهو يقرأ التقارير من أطول لحظات حياتي، تزاحمت في رأسي أفكار عديده، وتصارعت في داخلي مشاعر شتى وبدأت أواسي نفسي وأهيئها للأسوأ حتى لاتكون الصدمة شديدة، لقد تعاهدنا يانفسي أن نقاوم حتى النهاية، ولانفقد ثقتنا في الله، ونرضى بالقضاء خيره وشره وأن نستعد لمواجهة الأسوأ، ربي أعني على تحمل الآلام، ولا تجعلني من القانطين، ولاتحملني ما لا طاقة لي به.
لقد كان أكثر ما يخيفني أن يكون القادم أكثر مما أتحمله، قأقنت من رحمة ربي أن تفلت نفسي من زمامها، وأجدني أسقط في الهاوية فأفقد دنياي وآخرتي، ربي لاتجعلني كذلك ، وبي ألهمني الصبر والرضا، ربي إجعلني على بلائك من الصابيرن ولنعمتك من الشاكرين.
ونطق الطبيب وتهللت أساريره، وانتعش بداخلي الأمل من جديد في أن الشفاء في الطريق، وأن رحلة الصبر قد تكللت إن شاء الله بالنجاح، وبدأت من وقتها احتمالات الحل الجراحي تطل برأسها، ولكن يبقى علي أن أكمل حربي الكيميائية حتى النهاية وأتعايش مع مصاعبها وأداوي جرحاها وأعين جسدي العليل على المواصلة والمحافظة على تماسكه حتى النهاية.

عاهدت نفسي

قد تتعاقب على الإنسان مواقف وأحداث يشعر وقتها أن الأمور تنتقل من سيء إلى أسوأ ولكن بعد أن تمر هذه الأحداث يكتشف أن هذا التتابع كان من رحمة اله به، وهذا ما لمسته خلال الفترة الأولى من اكتشافي للمرض.
أيام قليلة مرت بين معرفتي بمرضي ومعرفتي بقرار انهاء خدماتي، لتبدأ بعدها رحلة طويلة بين مكتب العمل والمحكمة من أجل تحويل الإقامة والحصول على مستحقاتي المالية، ورغم ماكنت أشعر به وقتها من أن الدنيا كلها قد تجمعت على كاهلي إلا أنني اليوم أدركت قيمة ذلك، لقد ادخلتني تلك الأحداث في دوامة الحياة، ولم تجعل أيامي خالية إلا من مرضي ومن التحسر على مافاتني، ولم تسلمني للشعور بأن دنياي تدير لي ظهرها.
وهكذا بدأت رحلتي مع العلاج الكيماوي ورأسي مليء بالأحداث والمهام والأمور التي يجب علي أن أقوم بها، لقد أجبرتن هذه الأحداث على أن أقاوم ألامي، والضعف الذي يسري في نفسي وجسدي، إن هذه مسئوليتي وعلي مواجهتها.
أحيانا كنت أشفق على نفسي من كل تلك الأحداث ومن أنني لاأجد الوقت الكافي لأستسلم لمرضي وأعطي لنفسي حقها في أن تتألم وتستكين لضعف المرض الحتمي، ولكنني سرعان ما كنت أواسيتها وأداوي ضعفها قائلة: إن كان هذا آخر عهدنا يانفسي بالدنيا فلنتركها ترك الأقوياء، ولودعها وداع القادرين لاوداع المهزومين المقهورين، وإلا فكيف ستقفين أمام ربك وقد يأست من رحمته، وشككت في قدرته وفي أن الشفاء والمرض بيده، فلنعش حتى الحظة الأخيرة لنا وكأننا سنعيش أبدا ولتحمدي ربك على أنه قد ذكرك أنك قد تموتين الساعة فلتستعدي ولا تتركي لساعة الرحيل أن تأتيك بغته.
ومرت أيام العلاج وأنا على ذلك وقد عاهدت ربي وتصالحت مع نفسي أن نعيش دنيانا راضين بما قدره الله لنا فيها حتى آخر لحظه، وأحييت ليلي بالدعاء والتضرع إلى ربي موقنة بإجابته دعائي وبقرب فرجه وقد كان.

الجمعة، 18 ديسمبر 2009

تخيل

هل تخيلت نفسك يوما مصابا بمرض خطير؟! هل جربت أن تستيقظ يوما فتجد نفسك مصابا بالسرطان؟! لا تظن أن ذلك احتمالا بعيد المنال، فمنذ عام بالتحديد وفي مثل هذه الأيام اكتشفت أنني مصابة بالسرطان.

لازلت أذكر تلك اللحظة كأنها الآن، لم استطع منع عبراتي من الإنطلاق خارج عيني، لم أكن أعرف لماذا أبكي، هل أنعي نفسي؟ أم شبابي المأسوف عليه؟ أم أبكي على أطفالي الذين لايتعدى أكبرهم الثانية عشرة؟! كيف لا وقد اقترن السرطان عندنا برحلة عذاب طويلة عادة ما تنتهي بالموت.

سيطرت علي في الأيام التي تلت هذا الخبر الصعب حالة من اليأس، ولكن بحكم طبيعتي العملية بدأت ارتب الأمور من حولي لتسير وكأنني غير موجودة، فكانت الخطوة الأولى إحضار أمي لتتحمل مسئولية الأطفال، وليعتادوا على وجودها، وبدأت بالفعل أنسحب من حياتهم، وأترك الزمام لأمي كمن يسلم الراية استعدادا للرحيل.

رغم صعوبة الموقف أورثني هذا الأمر احساسا كبيرا بالراحة، قد لا أكذب ولا أبالغ ان قات أنني بدأت أشعر أن في الموت بهذه الطريقة نعمة، فلدي فرصة لأرتب الأمور وأتابع ما سيكون علية الحال بعد رحيلي، لقد بدأ شعرت وقتها بصعوبة موت الفجأة، إنه بالفعل قاس على الجميع، فالميت لا يجد فرصة ليتوب ويسترجع ويصلح ما بينه وبين ربه، والأهل يجدون عزيزا عليهم مات دون أن يتخيلوا للحظة أنه سيرحل.

وهكذا أعددت الأمور وبدأت رحلتي الطويلة مع العلاج الذي استمر عام كامل