الجمعة، 30 أبريل 2010

الكيماوي وداعا

مع اقتراب جرعات الكيماوي من نهايتها كان جسدي المسكين يزداد ضعفا وشحوبا، وان كانت آلامي بدات تتراجع مع اضمحلال الورم شيئا فشيئا، وأوردتي المسكينة بدأت تصرخ ألما ، وكان ألمها يزداد في كل مرة، ولكن النجاح الذي يحققه العلاج جعل الألم يهون، واقتراب النهاية دفعني لأشد نفسي وأزيد من مؤازرتها وتشجيعها، هيا يانفس لم يعد أمامنا الكثير، لقد مر معظم الطريق ولم يعد أمامنا سوى القليل، ان كنت تتألمين فمن من البشر لا يتألم ولكن كل كما قدر له ربه، فهل نحن إلا في اختبار كبير، استمري فقد أبليت حسنا حتى الآن وعليك إكمال المسير،استعيني بالله، تذكري الثواب الكبير الذي ينتظرنا، لا تسمحي للضعف ان يصل إليك، سدي على القنوط كل سبيل، لقد قررنا أن نحيا أقوياء، وأن نسعى ان لم نحقق النجاح في الدنيا أن يكون لنا بإذن الله مكانا في الجنة بين الصابرين المحتسبين، ياله من هدف يستحق العناء فلأجل ذلك فليعمل العاملون وليتنافس المتنافسون، ان أردت التأوه فليكن ذلك بين يدي ربك، اسكبي العبرات عند بابه، انظري هاهو شعاعه الأمل يزداد لمعانا وبريقا يوما بعد يوم حتى كاد يحول حياتنا لنهار مشرق.

مع مرور جرعات الكيماوي، كانت الوجوه التي أقابلها قد أصبحت مألوفة لي تجمعنا غرفة العلاج، تتقابل الأسرة، كلمة من هنا، دعاء من هناكمشاركة في الهم نفسه، دفعات من الأمل تتبادلها المريضات، نلتقي على الأمل، ونتفارق على دعوات متبادلة بالصحة والعافية، انهاء إحدانا لجرعاتها فيض أمل تبثه في قلوب الأخريات، ودخول مريضة جديدة يدفعنا لمؤازرتها بأن الطريق سيهون بالصبر والدعاء.

ورغم ذلك كم كنت أشعر بالسعادة حين يقرر الطبيب لأي سبب تأجيل موعد جرعتي، فعدم أخذ الجرعة في موعدها يعني بضع أيام بلا آلام معدة أو دوار أو شحوب، ويالها من أيام ثمينة يمكنني أن أمارس فيها حياتي بشكل طبيعي، وأغتنمها في عمل شيء مفيد، قبل أن أدخل في جولة جديدة من الضعف في رحلتي مع الكيماوي.

لم استطع ان امنع نفسي من التحسر على الأيام التي أضعتها من حياتي وقت القوة في لاشيء، وعلى الأعمال التي أجلتها وأنا بكامل صحتي. آه..ما أكثر تلك الأوقات التي تضيع من حياتنا، ليتني أستطيع أن أصيح لأنبه الناس بألا يضيعوا ساعة قد لا تأتي من جديد، ولا يأجلو عمل يريدون القيام به فلا يعلم أمر الغد إلا الله وحده.

الكيماوي من جديد

لا شيء أصعب على انسان صعد إلى الدور الثاني عشر على قدمية من أن يكتشف أنه قد وصل للمكان الخاطئ وأن عليه أن يعيد الكرة من جديد، ولا شيء أصعب على مريض السرطان من أن يكتشف أن المرض قد عاد للظهور وأن عليه أن يسير في طريق العلاج ثانية.
لقد عادت ذاكرت شهورا للوراء، تذكرت إحدى الزميلات التي جمعني القدر بها أثناء تلقي جرعات الكيماوي كنت أرى دموعها، فأتمنى لو أذهب أليها ناصحة إياها بالصبر، والإحتساب، فقد سبق لها الإصابة منذ سنوات بالمرض ومن الله عليها بالشفاء، وكنت أقول لنفسي يجب أن تكون أكثر قوة، ولكني اليوم بعد أن وجدت نفسي أعود للصراع مع المرض من جديد أقدر شعورها، إنه إحساس العارف الذي يعيش المصاعب للمرة الثانية، ويعيد صعود السلم الصعب من جديد، وتطارده أشباح المخاوف والآلام والتساؤلات الحيرى ثانية دون أن تعطيه الفرصة للراحة والتقاط الأنفاس.
لقد زف لي طبيبي البشرى بأن العلاج هذه المرة سيكون على شكل أقراص ولن يكون له نفس الآثار السيئة للعلاج الكيماوي، لقد بث هذا الخبر الكثير من البشر إلى نفسي، ولكن يظل السؤال، هل هذه الأقراص ستكون نهاية المطاف في رحلة العلاج أم أنها مجرد وسيلة لتأخير زحف جيش من المتاعب والالام قادم في الطريق لا محالة؟!
سيظل هذا السؤال بلا إجابة فالشفاء بيد الله سبحانه، هو القادر عليه، وكل ما يحدث مجرد محاولات لن يكتب لها النجاح إلا بإدراته سبحانه، أما اليوم فأنا بحمده أشعر بالعافية رغم كل ما بي من مرض لم يكشف عن وجهه القبيح بعد إلا من خلال التقارير الطبية، فليكن اليوم أفضل، ولنترك التفكير في الغد لخالقه ومدبر أمره فهو القادر على أن ينزل علي رحمة من عنده ويرفع البلاء، ولا يسعني إلا أن أردد دعاء نبي الله أيوب " ربي إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين"

10 ساعات بعيدا عن العالم

10 ساعات فصلتني عن الحياة ثم عدت من جديد.
10 ساعات كنت خلالها أقرب إلى حياة سكان القبور منها إلى حياة سكان الأرض.
10 ساعات مرت علي كأنها دقائق معدودة وعلى من ينتظرني كأنها سنوات طويلة.
أغمضت عيني السابعة صباحا وأنا أردد الشهادة وأسبح ربي عسى أن يكون ذلك آخر عهدي بهذه الدنيا، وفتحتها في الخامسة مساءا وأنا أعاني من آلام عديدة لا أعرف لها مصدرا ولا مكانا محددا، أغمضتهما وأنا برئتين كاملتين لأفتحهما بثلث رئة مفقود، وصدر مشقوق وجرح طوله 40سم.
10 ساعات لم أشعر خلالها بشئ لكنها غيرت حياتي تماما فمعها قد عدت من جديد.
عدت من جديد..كلمات ثلاث تصف بدقة ما حدث خلال تلك الساعات العشرة التي مرت علي كأنها إغفاءة قليلة، ولكن الفارق مابين الغفوة والإستيقاظ كان كما الفارق بين الحياة والموت.
لقد عشت ليلتي قبل العملية وكأنها ليلتي الأخيرة، ليس خوفا، ولا قنوطا، ولا يأسا من رحمة الله بقدر ما كان تسليما وتطبيقا لوصية الرسول الكريم بأن نعمل للآخرة كأننا نموت غدا، وهل هناك موت أكثر من الإستسلام لمشرط الجراح في جراحة كبرى؟! لقد صليت ثم كتبت وصيتي وتركتها في درج غرفتي مستودعة إياها ربي، فلم أشأ ان اسلمها لأي انسان ليسمعني محاضرة عن الأمل وعن ضرورة عدم اليأس وانتظار الأفضل، فهل هناك أمل أكثر من ان تسأل ربك العافية ثم تؤدي أمانتك وتنام قرير العين حتى تحين لحظة بداية الرحلة التي لا يعلم نهايتها إلا الله ساعدني على ذلك المهدئ الذي أوصى لي به الطبيب، وان كنت في وقتها قد شعرت بطمأنينة لم أعهدها من قبل.
لقد كان بقائي منفردة في المستشفى ليلة الجراجة أكثر القرارات صوابا، فما أحسن للإنسان في تلك اللحظات من أن يتصالح مع نفسه ويحاورها، ويرتب عليها ويهدئ من روعها، فهو الأخبر بها والأدرى بأحوالها، مستعينا بالله على ذلك سائلا إياه العافية والطمانينة وهو القادر على بثها في كل نفس تطلبها وتصدق في طلبها، وتسعى لها بصدق، أما أن تطلبها عند انسان آخر قد يملك من الضعف أضعاف ما تملك فهذا هو الهراء بعينه.
هكذا سلمت أمري لربي وأغمضت عيني وأنا لا أعرف هل سأفتحهما لأرى تلك الوجوه الحبية من جديد أم أن تلك اللحظات ستكون آخر عهدي بها، وشتان بين ما أغمضت عيناي عليه، وبين ما فتحتهما أمامه، لقد كانت كشافات غرفة العمليات الباردة وقناع الأكسجين يغطي نصف وجهي وأنا أحاول جاهدة أن تكون الشهادتين آخر ما انطق به وحولي عدد لا أذكرة من الأطباء والممرضات كل يقوم بعمل محدد بسرعة ودقة هو آخر عهدي بالدنيا، وحين فتحت عيناي شعرت بفراشي يهتز وهو يتحرك عائدا لغرفتي وحولي عدد غير قليل من الأطباء والممرضات، وأنا أغص بما في حلقي من مخلفات الجراحة والطبيب يطلب منى طرد تلك المخلفات قدر طاقتي، والألم يلف جسمي لا أكاد أعرف من أين يأتي، البرودة تلف أوصالي والممرضات يتسابقن لتدفئتي بالمزيد من الأغطية، ولكني هنا من جديد، ولكني أكثر ضعفا وألما مثل وليد صغير يرقب من حوله أن يصرخ صرخة الحياة، لقد عدت من رحلتي التي مرت في دقائق معدودات كانت ساعات طويلة على من ينتظرني، وعلي أن أتحمل المزيد من الآلام حتى تلتئم جراحي، وأستعيد عافيتي، وان كنت لم أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير في إحساس الإنسان بعد الموت، هل سيختلف كثيرا عن إحساسي حين كنت في غرفة العمليات حين انفصلت عن هذا العالم، وعدت إليه من جديد، ربي لك الحمد على الحياة بعد الموت، والنجاة من الهلاك، ربي اتمم نعمتك علي فأنت وحدك القادر على ذلك.

الأحد، 25 أبريل 2010

تأملات خائفة

ما أرحم الله بنا حين أخفى عنا موعد موتنا الذي يقتر منا على الدوام، فياله من خوف يسيطر على المرء حين يشعر طوال الوقت أن الموت يطارده، وأن الأجل قد حان، يصبح التفكير في الغد شيء هزلي خيالي.
من منا لايعرف ان الموت هو الحقيقة التي نعيش من أجل الوصول إليها ونستعد لها منذ أن صرخنا صرخة الميلاد، لكن الفرق بين أن تعرف هذه الحقيقة وان تعيش فيها هو الفرق بين الأرض والسماء.
ان من يستشعر الموت في كل لحظة كمن تتعلق عيناه بعقارب الساعة التي لا تتوقف عن الدوران منتظرا صافرة النهاية، أو خبرا أو حدثا على وشك الحدوث، يصبح استمتاعه بالحياة مسالة وقتية، الضحكة مرة بمرارة السيف المسلط على رقبته، حقا كلنا نعيش بهذا السيف، ولكن شتان بين أن يكون موجودا، وأن تشعر ببرودته على نحرك، وينعكس لمعان نصله على محياك.
هكذا أشعر ويشعر كل من واجه الموت بأي وسيلة كانت، ولكن تختلف ردود الأفعال.. كثيرا ما تنخفض حالتي المعنوية إلى الصفر، بل إلى مادونه، أشعر بجدران المنزل تنطبق على صدري، اتمنى لو أن لي صوتا أقوى وأقوى فأصرخ بكل ما أوتيت من قوة، أو أن أملك جناحان لأحلق عاليا هربا من تلك الجدران، ولكن لا مهرب من القدر، علي ان أواجه وأن أعيش اليوم وأنتظر الغد، ولا أكل فلا يقنط من رحمة الله إلا القوم الكافرون، اللهم لا تجعلني منهم، اللهم لا تجعلني منهم، اللهم لا تجعلني منهم.
أحيانا أخرى أشعر وكأنني انظر إلى كل ما يحدث وكأنني في حلم مزعج، أحاول الإستيقاظ فلا أستطيع، هل حقا يحدث لي كل ذلك، هل حقا يجب أن أستعد لما هو أسوأ، أم أن الحلم سينتهي وأعاود الإستيقاظ من جديد؟؟
يحل المساء فألجأ إلى فراشي، أطالع الظلمة من حولي فأستشعر ظلمة القبر، أشعر أن غطائي هو الكفن، أحاول أن أتخيل كيف يكون إحساس المرء في تلك الحظة، يقف عقلي عاجزا، ويخفق قلبي خوفا من المجهول، ياله من شعور مهيب أشفق على نفسي منه!
إنها لحظات لا أستطيع لها دفعا، وأفكارا لا أجد منها مهربا، ومخاوف تصر على ملاحقتي، ولكن رحمتك ربي أوسع وأوسع، فأنت ملاذي وملجئي، فوضت أمري إليك فأجرني من ضعف نفسي ومن قلة حيلتي، وارزقني الصبر على البلاء، ربي أستغيث بك من نفسي، فيا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني.

وجوه تنبض بالحياة

إذا ساقتك قدماك قدرا إلى مركز أو مستشفى لعلاج السرطان، فما هو الإحساس الذي سيسيطر عليك؟؟.. هل ستشعر بالشفقة على هؤلاء المرضى وتدعو لهم بالشفاء، وتشكر اله على نعمة العافية؟؟..لا شك أن هذا سيكون جواب الكثيرين منا، بل أن البعض سيسارع بالخروج من هذا المكان الكئيب الذي يبعث الوجود بداخله على الألم بل والخوف أحيانا، خاصة وأن معظمنا يستشعر الموت وهو يحوم حول هذا المكان، وهكذا كنت أشعر انا أيضا في المرات القليلة التي مررت بهذا المكان، فقد تزامنت كلمة سرطان في أذهاننا مع كلمة ألم شديد ومعاناة ثم موت، ولكنني حين دخلتها مريضة أحمل بين يدي تحاليلي وأشعاتي وفحوصاتي وجدت للأمر نظرة جديدة.
سيسيطر عليك إحساس غريب وأنت تخطو إلى هناك على قدميك لا تتمزق ألما، وتزداد دهشتك وانت تتفرس في الوجوه التي تنتظر دورها في الدخول للطبيب، انهم أصحاء مثلنا، أو هكذا يبدون، يتحدثون، يتحركون، يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، نساء تقضين الوقت في الثرثرة، ورجال في قراءة الصحف، بل أن بعضهم كان يأخذ جرعة الكيماوي أو جلسة الإشعاع ثم يتجه إلى عمله، ومنهم من كان يتابع عمله ومهامه بالهاتف أثناء تلقي العلاج، وإذا خرجوا للشارع لن يصدق من يراهم أن هذا الإنسان مريض بهذا المرض الخطير، وأنه قد خرج توا من جلسة علاج، هكذا هم يمارسون حياتهم مثلنا تماما، وهكذا تعلمت منهم، وقررت أن أكون.
حقا إن المرض خطير، ومضاعفاته أخطر، والشفاء منه لا يكون إلا برحمة الله فهو حقا خبيث لايعرف غدراته ومفاجآته إلا الله، ولكن الإصابة به لا تعني أن الأمر قد انتهى وأن الحياة قد توقفت، فلنا في هذه الحياة أيام سنُسأل عنها، وساعات نحن من سنختار كيف نقضيها، ولا يزال معنا جسد قادر على العطاء والعمل، فالأمل موجود مادام في جنباتنا نفس يتردد، وطالما كان لنا رب سميع مجيب قادر على كل شيء رحيم بعباده يغيث الملهوف ويكشف السوء، ومادام لنا ألسنة تلهج بالدعاء وقلوب محبة تدعو لنا بظهر الغيب.

رفيقي وملاذي

ما أسهل أن يعقد الإنسان النية على فعل شيء ما، ولكن الصعب أن يجاهد لإثبات صدق نيته، والهوان أن يرفع راية الإستسلام خفاقة شاهدة على كذبه فيما اعتقد أنه قد عقد العزم عليه.
لقد أدركت هذا جليا حين ذهبت لأحد المراكز وبداخلي رغبة حقيقية في حفظ كتاب الله كاملا، فقد كانت طبيعة عملي غير المرتبطة بمواعيد معينه خير عون لي على ذلك، وفراغي شبه الدائم ساعات الصباح مشجعا لي على المضي قدما، وهكذا كانت بدايتي في حفظ كتاب الله كوسيلة لشغل ساعات الفراغ الثمينة فيما ينفع، وما أن بدأت حتى بدأت آلام المرض تغزوا جنباتي، واستغرقتني رحلة العلاج، ومع زيادة ألمي ومعاناتي من الآثار الجانبية للعلاج كان تمسكي بالمحافظة على حلقتي يزداد، لقد تحولت حلقتي بالنسبة لي إلى جهاد لإثبات صدق النية، وسخر اله لي أخواتي ووالدتي ليعينوني على الوفاء بما ألزمت به نفسي أمام ربي، فكنت ألزم الفراش أياما بعد جرعة الكيماوي فتتسابق أخواتي في تجميع ما فاتني وتوصيله لي، وما أن تمر الأيام العصيبة وتأتي فترات الهدنة حتى أشمر عن ساعد الجد لأعوض ما فاتني، كثيرا ما كنت أخرج من الحلقة إلى المستشفى، ولكني رفضت التخلي عن هذا الخير الذي تحول مع الوقت إلى التمسك بالأمل والحياة ذاتها، والصرلع من أجل نيل المزيد من الثواب والخير في الوقت المتبقي لي في هذه الدنيا والذي لايعلم إلا الله هل يطول أم سيقصر أكثر مما كنت أتخيل، وعقدت العزم على الإستمرار مادمت قادرة على الحركة، وإلا فكيف يكون صدق النية؟! وان لم يمهلني عمري لأكمل المشوار أكون على الأقل قد برهنت حتى النهاية أنني قد عقدت العزم صدقا وحقا عسى ربي أن يجعله في ميزاني، وكنت أشعر بالنور يضيء جنبات حياتي في كل يوم أضيف إلى رصيد حفظي وجها جديدا، وربعا آخر، اللهم ربي لك الحمد والمنه، لقد كان القرآن الأمل الجديد الذي نبت في نفسي والروح التي دبت فيها، يقل تركيزي بسبب العلاج فأجاهد مع كتاب ربي لتقويته من جديد، يزداد ضعفي فيأبى جسدي الإستسلام فموعد الإختبارات قد اقترب،ومع انتهاء آخر جرعات الكيماوي كنت أستعد للإختبار في الأجزاء السبعة الأولى، وكم كانت سعادتي حين اجتزتها بنجاح، ومع حلول العطلة بدأت أستعد لإجراء العملية الجراحية التي من الله علي أن كانت في العطلة فلم تكن سببا في انقطاعي عن حلقتي.
وفي الشهور الأخيرة وبعد ان مرت مرحلة العلاج الأولى، وكنت قد تخيلت أن مشكلتي قد انتهت، كثيرا ما كنت أغمض عيني فأراني وقد ختمت كتب الله وحصلت على السند، وأن أمي بجانبي في تلك اللحظة لأسعد قلبها كما آلمته، واشهدها أنني قد بررتها ووالدي قدر طاقتي، وأنني قد بذلت جهدي لألبسها تاج الوقار، وكنت أزرف الدمع وأنا أتخيل هذا الموقف، ولكن المرض أبى إلا أن يكمل معي الصراع في جولة جديدة لا يعرف نهايتها إلا الله متزامنا مع الوقت الذي أستعد فيه لآداء إختبار في النصف الأول من كتاب الله، فهل سأتمكن من اكمال المشوار وإلباس والديّ تاج الوقار؟!
اللهم أشهدك أنني قد عقدت العزم والنية ، ولن أترك ما عزمت عليه حتى اتمه، أو يحدث الله أمرا كان مفعولا، فأعني يا إلهي واجعل القرآن الكريم حجة لي لا حجة علي واجعله شفيعا لي وارزقني الإخلاص في حفظه وعلمني منه ما جهلت، وذكرني منه ما نسيت، وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار.

أمي..الحب الأزلي

كم ترددت قبل أن أكتب عنها، أمي ذلك اللسان الذي لم يكل من الدعاء لي بظهر الغيب، ولا من العطاء بلا حدود، ولا من اللهفة والترقب، كم كنت اتمنى لو لم أكن قد صارحتها بمرضي، ولم أكن قد سهلت لها ان تترك حياتها لتمضي الشهور بجواري وأنا مريضة ترعى ابنائي بدلا مني، وتشد من أزري، فقد كنت أشعر بالذنب أنني وأنا من يجب ان أرعاها وأرد لها الجميل وأبرها اكون أننا سبب ألمها وهمها، ولكن هل عن دعاء الأم بديل؟!!
كانت أشد اللحظات على نفسي تلك التي أرى فيها خوفك علي، وأرى الألم الذي تحاولين إخفاؤه عني في عينيك، لقد حاولت يا أمي أن أتماسك حتى لا أسبب لك المزيد من الألم، وأحمد ربي أن أعانني على ذلك.
لقد كان ولا زال دعائك أمي أكثر ما سعيت إليه وتمنيته، ورحمة أهداها الله لي في محنتي، كما كان وجودك بجواري بلسما يهدئ نفسي، ويشعرني بالطمأنينة على فلذاتي كبدي، فأرجو أن تغفري لي ما سببته وأسببه لك من ألم، وأسأل الله أن يرزقني لعافية لأكون لك عونا وأرعاك وأبرك قدر طاقتي يا حبي الأزلي.

الاثنين، 19 أبريل 2010

وحان وقت العمل

"أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ"
يا من قال أنا صابر حي على الصبر والجلد، يا من قال أنا مؤمنا، هيا لأثبات صدق ما تقول، فقد ولى وقت الكلام وحان وقت العمل.
لقد كان أكثر ما يخيفني وأنا استرسل في خواطري أن أعود للمواجهة مع مرضي الذي ولى من جديد، وقد كان ما كنت أخشاه، وحانت لحظة الصدق الكبير، وما أصعبها من لحظة، فلا أزال بشرا خلقت بالضعف والخوف، واليأس، وكلها أعداء أخشاها في رحلتي لأثبت لنفسي أنني كنت صادقة فيما أقول، أما ربي فهو بي أعلم وعن إثباتاتي أغنى وأعلى.
أبتهل إليك ربي ألا تجعل صبري يخذلني، وإيماني يتنصل مني ويخرج إلي لسانه قائلا "إظهري على حقيقتك أيتها الكاذبه"
ايتها النفس الضعيفة سأبذل كل ما أستطيع لأتغلب عليك، أيتها الدموع التي تنهمر سأجعل منك أنهارا تغسل الذنوب لاأمطارا تنبت القنوط، فأعني ربي على ما ابتليتني وارضني بما قسمت لي، واجعل صبري في ميزاني، واجعلني نبراسا للحق داعية له، واجعل لي من صبر مريم وايمانها نصيبا .
يا أصحاب رنات الرحمة اسألكم الإستنفار في الدعاء بظهر الغيب، وان لم يجمعنا الله على الخير في الدنيا فموعدنا ان شاء الله في الآخرة في مقعد صدق عند مليك مقتدر...آآآمييين

الأحد، 11 أبريل 2010

مريم وأنا

حين حطت أقدام مريم على أرض الكويت منذ سنوات لم تكن سوى خادمة بين العديد من الخدم الذين يحضرون ويغادرون أرض الكويت في كل يوم، ولم تكن مخدومتها تعلم ان تلك الخادمة التي دخلت منزلها والتي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة ستكون لها معها تجربة لا تنسى، فمريم الفلبينية رغم أن حياتها لم تختلف كثيرا عن مثيلاتها، إلا ان موتهاكان عبرة ودرس، لقد منحتنا بموتها القدوة في التمسك بالحياة،فمنذ أن علمت مريم بحقية آلامها التي بدأت تزيد فجأة لتكشف عن وجهها الخبيث الذي وصل مرحلة متأخرة، وحتى لفظت أنفاسها الأخيرة لم ترض باليأس ولم تترك الأمل حتى أنها غيرت حياتها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وقررت أن تعتنق الإسلام قبل وفاتها ب11 يوما، وكانت تصطحب معها الكتيبات والأشرطة إلى غرفة العناية المركزة، لم تمنعها آلامها واقترابها من الموت ورئتيها العليلتين وأنفاسها التي بالكاد تخرج من صدرها مختلطة بسعالها الدموي أن تودع الحياة قبل أن يحين موعدها وتخسر الأيام الثمينة المتبقية منحياتها، فأثابها الله بذلك هداية لم يمنحها لكثيرين ممن ولدوا على الإسلام وشجاعة في اخاذ القرار، جعلت الشهادة آخر ما تنطق به وتدفن على الإسلام.
حين سمعت قصة اسلام المريضة الفلبينية مريم بعد وفاتها بأيام، وزرفت الدمع وأنا اعيش آلمها من خلال كلمات صفاء الداعية في صندوق إعانة المرضى والتي عاشت معها الأيام الأخيرة لمرضها وحضرت لحظة نطقها بالشهادتين ولقنتها الشهادة قبل وفاتها ان مريم ستكون لها دور في حياتي
لقد كانت قصة مريم آخر موضوع نشرته بإسمي في الصفحة الدينية بجريدتي، ولكن روحها العالية وقدرتها على التمسك بالحياة حتى اللحظات الأخيرة جعلت منها رفيقتي الدائمة في رحلة مرضي
لقد ظلت صورة مريم التي نشرتها مع موضوعي وهي تنطق بالشهادتين قبل وفاتها بأيام ماثلة أمام عيني، تشعرني بالخجل كلما ضعفت أو تسلل اليأس إلى قلبي لقد كانت مريم التطبيق الحي لمسلم ينفذ وصية رسول الله صلىالله عليه وسلم بعدم التنازل عن غرس الفسيلة حتى لو قامت الساعة، كنت أتخيلها كيف كانت تأخذ معها الكتيبات و الأشرطة إلى غرفة العناية المركزة لتستمع إليها، لم يمنعها مرضها الذي كان مثل مرضي ولكن في مراحله الأخير، ولم تستسلم لآلمها، بل ظلت تعيش وتفكر وتتخذ القرارات المصيرة بل وتغير حياتها تماما حتى الأيام الأخيرة، فلم تعيش على الإسلام إلا 11 يوماولكنها توفيت على الإسلام وهذا هو الأهم
لقد سخر الله لي مريم في مماتها لتكون قدوة وداله لي على الخير، وتعلمني أنا من ولدت على الإسلام كيف يكون الأيمان الحق، لقد أحببتها في الله دون أن أراها، كما أحببها كثيرون مثلي
رحمك الله يامريم