الاثنين، 27 ديسمبر 2010

فيروسي العزيز

من منا لا يتأفف أو يتذمر حين يشعر بالوهن يسكن أطرافه، والألم يسيطر على مفاصله، ونبرة صوته تخرج مبحوحة أثر هجمة دور برد يغزو جسمه، ولكن هل هناك من فكر أن هذا الفيروس الضعيف قد يكون هو الرحمة التي يرسلها الله سبحانه له؟، لا أقصد بهذه الرحمة الحسنات التي يهديها الله للمؤمن المحتسب، بل أقصد ان يتحول هذا الفيروس الضعيف إلى رحمة تتيسر بها الأمور وتسير معه نحو الأفضل، هكذا أصبح فيروسي العزيز الذي أبى إلا أن يغزو حلقي قبل العيد بأيام مانعا صوتي من الخروج، لقد كان هذا الفيروس سببا في تحويل إقامتي في المستشفى إلى إقامة خمس نجوم، في غرفة خاصه مع حمام وهاتف مستقل، تلك الغرفة التي لو حاولت الحصول عليها بكل الوسائل لم أكن لأنالها خاصة في وقت العيد والجميع غير موجود وليس في الإمكان أبدع مما كان.
لقد خشي الطبيب على المريضات من حولي أن ينتقل إليهن الفيروس بسبب ضعف مناعة الجميع فالكل مابين معالج الإشعاع أو بالكيماوي، ومناعتهن منخفضه، وفيروس مثل هذا كفيل أن يؤخر جرعات الكثيرات، لذا كانت الأوامر العليا غرفة خاصة للسيطرة على الوضع، حقا " وما يعلم جنود ربك إلا هو" فمرحبا بكل قدر الله فله فيه حكمه علمناها أم جهلناها، أحببناها أم تذمرنا منها فالقدر واقع لا محالة وليس لنا منه إلا الثواب بالصبر والشكر أو السخط بالتذمر وعدم الرضا.
ان من أهم الرحمات المهداة من رب العالمين في ظلام المحنة أن تشعر بمعيته، ورعايته وتيسييره، وأن تجد أن أمورك تسير نحو الأفضل دون حول منك ولا قوه، حينها لا تملك إلا أن تقلب كفيك عجبا من حكمته، ولسانك شكرا على نعمته خاصة حين تجد أن من جعله الله سببا لذلك لم تكن تعتبره شيئا، انهما الكاف والنون الخفيفتان على اللسان اللذان يدبر بهما الرحمان أمر هذا الكون فيقول لما يشاء كن فيكون.

قعيده أم مريضه؟

ايهما أصعب على الإنسان أن يكون مريضا أم أن يكون مقعدا عاجزا عن الحركة؟
رغم أن هذا السؤال لم يخطر على بالي من قبل، ولم أفكر فيه، إلا ان ظروفي الصحية في الفترة الأخيره فرضته علي فرضا، لقد كانت قدمي المسكينه تئن ولكنني كنت أصر على أن تمارس عملها بشكل طبيعي طالما بها بقية عافية تمكنها من ذلك، وكانت ترضخ لأوامري الصارمة باستسلام فلا حيلة لهاخاصة وأنني لم أكن مستعدة أن يكون المرض سببا كافيا لأترك مسئولياتي التي وضعتها على عاتقي سواء بإرادتي أو بقدري فها أنا لاأزال قادرة على الحركه.
ولكن مع الوقت بدأت الأمور تأخذ في التراجع نحو الأسوأ، لقد أصبح العمل الذي لا يحتاج إلا لعشر دقائق من أجل انجازه يستغرق مني نصف ساعة، أصبحت قدمي تسير معي رغما عنها، بدأ الثقل يغزو ذراعي والخدر يزحف إلى نصف جسدي الأيسر، ولكن بلا ألم، وهذا ما دفعني للتساؤل ، هل سيكون مصيري أن أصبح عاجزة عن الحركة؟! لقد فتح أمامي هذا التساؤل خيالات لا حصر لها، هل معنى هذا أن أتخلى عن دراستي التي قاربت على انهائها؟ هل معنى هذا أن أترك بيتي الذي لن أستطيع الوصول إليه لأنه في الطابق الخامس، و مكون من طابقين، هل سأكون محتاجه للعون في كل حركه؟ بدأت أخطط لحياتي وأتخيلها وأنا على كرسي متحرك، كم كان التخطيط صعبا وقاسيا، سنوات المرض وما مررت به كله لم تكن شيئا أمام هذه اللحظات، في آخر يوم قدت فيه السيارة قبل دخولي المستشفى استغرقت ربع ساعة كاملة للنزول من البيت والجلوس على كرسي السيارة كان الأمر أشبه بالمعاناة، خنقتني العبرات، لكني أبيت إلا أن أكمل الطريق فطالما أنا قادرة فلن أستسلم، دعوت ربي أن يخفف عني وألا يحملني مالا أطيق، وقد كان، تراجع شبح التقاعد، وعدت من جديد اسير بشكل شبه طبيعي، وأقود السيارة، وأذهب حيث أشاء، وأنا أحمد الله على نعمة الحركة فبالنسبة لي المرض أهون آلاف المرات من أن أصبح عاجزة عن الحركة، اللهم لا تحرمني نعمة الحركة في سبيلك وابتغاء مرضاتك، واجعل حركاتي خالصة لك وارزقني بكل حركة أجرا، ولا تحملني بذنوبي وضعفي وقلة إيماني ما لا أطيق، وارحمني برحمتك التي وسعت كل شيء.

الجمعة، 17 ديسمبر 2010

على صعيد عرفات

وبدأت الجولة الثالثة، جولة غير كل الجولات، بدأتها على غير موعد، وخرجت منها بعد النزال الأول بمكاسب لا تحصى وصداقات لا تعد وحب لا يتسع له الكون، وسكينة لم أعرفها من قبل، انها جولة الكنوز والمكاسب، لا يهم من سينتصر في النهاية المرض أم أنا ولكني اليوم غير ما كنت عليه بالأمس، لقد ولدت من جديد من رحم هذا النزال، قلبي مختلف، فكري على غير عادته، في نفسي شيء لم أعهده من قبل، إنه اليقين، لقد أخذ ربي بيدي أخيرا وأوصلني لحبه والرضا بقضائه، لقد كنت أظن أنني كذلك من قبل، ولكني اليوم قد ذقت حلاوة لم أعهدها، وعشت مشاعر لم أألفها، كنت كمن يحلق في سماء رحبة بلا حدود، ترفرف حولي القلوب.
لقد حملني هذا الرضا وتلك السكينة على إخفاء الخبر عن أهلى ومن أحب، فكيف يصبر من يشكو لغير ربه؟! ثم كيف يمكن لمحب ان يتحمل أن يكون مصدر قلق وألم لمن يحبهم؟ وان يحول ساعات السعادة في حياتهم إلى شقاء، والأعياد والأفراح إلى أحزان؟!
ان كان في الكون محب بهذا الشكل فلست انا هذا المحب، خاصة لك يا أمي فليس أشد على نفسي من أكون سبب ألمك منذ سنوات ومبعث قلقك الدائم أنت من يفترض بي أن ابرك، وادخل السعادة إلى قلبك.
ايتها القلوب المحبة سامحوني، لم أقصد أن أخفي عليكم ألمي، ولكني آثرتكم على نفسي، واستبدلت بأعيادكم أعيادي، وبفرحكم أفراحي، ونأيت عنكم بآلامي برا وحبا فلا تلوموني.
لقد منعني قلبي المحب وعقلي ان ابث أليكم ألمي وانتم بعيدين عني فالمسافات ستجعل من الهم هموما ومن الغم غموما ومن الألم آلام، ثم ما النتيجة بعد كل هذا سأظل أنا على حالي وانتم على حالكم، فان كنت لا استطيع لنفسي شيئا فإنني استطيع ان ابعدكم عن القلق ولا أفسد عليكم العيد، وقد كان لي ما أردت بحمد ربي فعوضني بقلوب محبه، ودعوات لا عدد لها ولا حصر، وعيد غير كل الأعياد لا أعتبره على فراش المرض، بل بين يدي الله، لقد قضيت العيد مع ربي، تحفني الملائكه، صدقوني شعرت بها، وعشت أيام سكينة لا مثيل لها، وخرجت من هذه المنحة بعطايا لا أحصي لها عددا وبحب يملأ الكون ويفيض، لقد شعرت وكأنني على صعيد عرفات.

الأحد، 12 ديسمبر 2010

شعاع الشمس

ما أجمل شعاع الشمس حسن يتسلل هاتكا حجب غرفة مظلمة، انه النور الذي يصر ان يدخل حياتنا في احلك لحظاتها صعوبة مع سبق الإصرار، ويصر ان يجعل لها وقعا مختلف.
لا شك ان الإنسان مهما كان حين يفكر في محنه بشكل مختلف سيرى تلك الأشعة العنيدة التي تصر على الدخول مرافقة كل محنة، وملازمة لكل أزمة، انها الرحمات التي ترافق ابتلاءات رب العباد، فيهون بها على من يصبر ويحتسب، اما من يسخط فليس له إلا السخط، فيرى في تلك الأشعة ما يعكر صفو لياليه، ويهتك حجب أيامه التي أرادها أحلك من الظلمات في بحر لجي.
هذه لم تكن شعارات، ولم تكن عبارت منمقة اسوقها من أجل بث الأمل في النفوس ففي لحظات الضعف شعرت بأياد محبة قوية تدفعني لأمام وتشد من أزري وألسنة مؤمنة تلهج لي بالدعاء ، كنت اشعر وكأنني اسمع همساتها تحت جنح اليل، قلوب محبة في الله، يالله كل هذا الحب لي أنا، كل هذه القلوب حولي، كل هذه الأيادي من أجلي، ربي كم أحبك وأحب كل من أحبني فيك.
كم كان حزني شديد حين حاولت أن أصوم أيام ذي الحجة فلم استطع، عاهدت نفسي على الإجتهاد قدر طاقتي، ولكن طاقتي لم تكن قدر عزمي، كان الضعف يصر أن يمنعني ويعوقني، فماذا عساي أن أفعل غير أن أسألك ربي العفو وحسن الثواب والدرجة العالية، فلم تكن إجابته بعيده، لقد عوضني ببلاء أسأله أن يجعله في ميزاني ويرفع به درجاتي، ويدفع به عني خطيئاتي، وأن يجعله قدر احتمالي، وألا يجعلني من القانطين.
حين استرجع ما مر بي خلال الفترة السابقة أجدني اتساءل: هل كل هذا الثواب من أجلي؟ وهل أنا الأمة الضعيفة أستحق هذا كله؟ من أنا وماذا فعلت؟ ان كل ما أفعله وما عملته سيكون هباءا أمام رحماتك ربي ونعمك التي لاتعد ولا تحصى، قرآن يتلى، وصحبة في طاعة، وقلوب محبة، وبلاء لعله يرفع الدرجة، ويزيد الثواب، فهل عساي أطمع في المزيد؟!
نعم ربي، فانا أمتك الضعيفة وليس لي رب سواك ان لم نشفني وترحم ضعفي وزلاتي فمن يرحمني غيرك، ربي أسألك ياذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ولا يحصيه غيرك ان تشفني شفاءا لا يغادر سقما فأنت القادر على ذلك وأنت مسبب الأسباب والهادي إلى طريق الرشاد فيسر لي سبل العلاج ، واجعل كل ذلك في ميزاني، وارفع به درجاتي، ولا تحرمني صحبة كتابك والقلوب التي متعتني بقربها في رحابه، واتم علي نعمة حفظ كتابك وتجويده، واجعلني به من أهلك وخاصتك.

الاثنين، 1 نوفمبر 2010

ما بين الرضا والرضا

هل الرضا يعني ان نقف موقف المتفرج أمام ما يحدث لنا، ونصر أن نرسم على محيانا ابتسامة بلهاء لا معنى لها، تجعلنا موسومين بالبهلاهة أمام أنفسنا وأمام الأخرين؟!... إذا كان هذا الرضا كما يقول به البعض فأنا أعلنها واضحة جليه أنني غير راضية... فشتان شتان بين الرضا والإستسلام، الرضا أن أتقبل ما أنا فيه، وأعمل على التكيف معه، وأرفض اليأس وأسعى في كل الطرق دون كلل أو ملل، وأعيش حياتي كما أرادها الله لعباده المؤمنين دون كلل أو ملل، أواجه الغرق بكل سلاح ممكن، وأصارع الموج حتى الرمق الأخير وأنا واثقة أن الله لم يفعل ذلك بي إلا لخير أراده حتى لو عجز نظري القاصر عن ادراكه، أبحث عن بصيص الضوء في كل ظلمة، ولا أترك نفسي للموج يتقاذفها من كل جانب وأنتظر الموجة القاضية دون أن أحاول لها دفعا، ولكن كيف السبيل لذلك أمام المرض الذي يصر على التشبس بي والضعف الذي يتسلل إلأى قدمي وجعل صعبه، ماذا عساي أن أفعل وهل أملك إلا أن آخذ الدواء بإ،تظام وأنتظر؟!
لقد كان هذا التساؤل الصعب هو ما حاولت الإجابة عليه، ووجدتني لو اكتفيت بالإنتظار فكأنما انتظر الموت وأنا فاتحة له ذراعي، حقا هو مصيرنا جميعا، ولكني الآن في الدنيا لايمكن أن أعيش أيامي وأنا أنتظر الموت، فكلنا سنموت، ولكننا لابد أن نعيش لدنيانا كأننا نعيش أبدا كما نعمل لآخرتنا كأننا نموت غدا، لهذا قررت أن أبذل المزيد من الجهد في الدعاء والرقية لنفسي سائلة ربي الشفاء، وأ، أتبع نظاما غذائيا يبتعد عن الأطعمة التي أثبتت الأبحاث أن الخلايا السرطانية تتغذى عليها، كما بدأـ أسعى للحصول على لبن الإبل وبوله بإنتظام، وقررت ألا أجعل من قدمي التي تسير بصعوبة ذريعة للتخلي عن دروسي، فالحمد لله أن المشكلة في قدمي اليسرى، وأنا أقود السيارة باليمنى فالذهاب للدرس لن يكون صعبا.
هكذا عقدت الهمة من جديد، وقررت أن أغوص في بحر الرضا، واستمتع بحاتي، وأحول صراعي مع المرض لجولات أسأل الله أن يرزقني فيها النصر، وأن يجعل من قدمي التي تحملني بصعوبة إلى دروسي إثباتا لصدق نيتي في حفظ كتاب الله.
أما الضيق الذي قد يعتريني من وقت لآخر والخوف الذي قد يداعب شغاف قلبي، فاجعل منه زادا يزيدني إصرارا على المضي قدما فيما بدأته.
ربي لا تبتليني في عقلي واجعل قلبي حاضرا في طاعتك، وفؤادي عامرا بالإيمان حتى آخر نفس في صدري، واجعل الرضا صديقى، فأن أعيش حياتي بلا أمل، وتمر ساعاتي بلا هدف هو في عيني الموت نفسه.

الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

وبدأت جولة جديده

مرت شهور منذ بدأت في تناول علاجي الجديد، أهم ما فيه انني عشت حياتي بطريقة عادية، تعايشت مع البثور التي ملأت وجهي، ذكرتني بأيام المراهقة فما أشبهها بحب الشباب، كنت أتأملها فأقول ها قد أعادني العلاج سنوات إى الوراء" حد يطول يرجع شباب تاني!".
حاولت أن أستثمر الوقت قدر استطاعتي، ومرت الإجازة بحلوها ومرها بألمها وفرحها، وهاقد عادت المواجهة من جديد، فلا تزال بيننا جولة ان لم تكن جولات، فالتحسن الذي حققه العلاج لا يزال ضئيلا ولكنه على الأقل جعل الأمور مستقرة، كانت عيناي تتنقل في سطور تقرير الأشعة ودقات قلبي ترتفع، ليس خوفا من المرض، ولا من القادم ولكني في نفسي كنت ابتهل إلى ربي ألا تكون العودة إلى الكيماوي هو البديل اللازم، فمعناه إعلان حالة الطوارئ من جديد وانفصالي عن عائلتي لأعود الحاضرة الغائبة ثانية، ولكن ولله الحمد مدد الطبيب العلاج شهرين إضافيين، ها أنا ذا أملك شهرين آخرين، فلأحسن استغلالهما، ولا أضيعهما فيما لايفيد.
ان المشكلة لم تعد بالنسبة لي الخوف من المرض كما كنت في الماضي، فالموت سيأتي في موعده المحتوم الذي لا يعلمه إلا الله، ولكن حتى هذه الحظة أسأل الله ان يرزقني نعمة القدرة على العمل و الإنجاز والمشاركة، وأن أظل بين عائلتي أشاركهم، وأكون قادرة على مجاراتهم في أعمالهم ونشاطاتهم، واحقق حلمي الكبير في اتمام حفظ كتاب الله سبحانة، فقد انتصف الطريق، الهم اجعلني من أهلك وخاصتك واجعل كتابك شفعي ومؤنسي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

الأحد، 16 مايو 2010

البدايات دائما الأصعب

تظل البدايات هي دائما الأصعب، والأكثر ترقبا، وتوجسا، وريبة..

فبرغم كل ما قد يسيطر على الإنسان من مشاعر الثقة، والإيمان، والعزيمة، بل والسعادة أحيانا حين يقدم على عمل جديد بالنسبة له، يظل ذلك الإحساس بالترقب والرهبة يسيطر عليه، ويثير بداخله الكثير من المخاوف والوساوس التي لا مهرب منها إلا إلى الله رب العالمين فهو سبحانه الذي يؤتي كل نفس هداها، وهو الذي يقدر النجاح والفشل، ولعل هذا ما يفسر تلك الرهبة، فالإنسان مهما أوتي من علم، وقوة، ومهما عد واستعد، وحشد الحشود، وتسلح بكل علم وأمل يبقى توفيقه أو عدم توفيقه بيد الله سبحانة، فمن منا يملك من أمر نفسه شيئا؟!

لا أزال أذكر تلك السعادة التي غمرتني حين علمت أن علاجي الكيميائي القادم سيكون على شكل حبوب، ولكن تكون أدوية سائلة على شكل محاليل كما في المرة السابقة، لقد استكانت أوردتي المسكينة راحة حين شعرت أنها قد فرت من هذا الألم الذي كان يعتريها حين تنساب فيها تلك السوائل، وفر جسدي من ذلك الضعف والشحوب الذي يسيطر عليه، وكانت سعادتي أكبر حين علمن أن تلك الأدوية لن يكون لها آثار جانبية تذكر إلا بعض الطفح الجلدي، ياله من أثر طفيف إذا قورن بما سبق!

وشتان مابين تلك السعادة وبين الترقب الذي ألم بي في أول يوم يفترض أن آخذ فيه تلك الحبوب، لقد كنت مثل الطالب البليد الذي يفر من واجباته ويختلق الأعذار ليضيع الوقت هنا وهناك، أتهرب من تناول أول حبة بكل وسيلة، ولكن لم يكن أمامي بد في النهاية إلا الإستسلام، وتناولت الحبة الأولى ثم الثانية، ومرت أيامي الأولي ومشاعر الترقب والرهبة تسيطر علي، يا نفسي أين السعادة التي كانت؟! لما هذا التوجس؟! إنه ذات الإحساس الذي ألم بي حين ذهبت لأخذ أول جرعات الكيماوي، وكنت أرى في عيون أمي والممرضات الدعم والتشجيع والمؤازرة، ولكني اليوم في منزلي، مع جدران بيتي، وجدران خوفي منفردين، لا أجد غيرك ربي، أعني على ما ابتليتني، فأنا لما أنزلت إلي من خير فقير.

ولدي والطائر الصغير

رغم معرفتي ان من آمن أن القرآن يشفيه يقينا فإنه بالفعل يشفيه، والتزامي قراءة القرآن والرقية الشرعية منذ علمت بمرضي، إلاأنني كثيرا ما شعرت بأنني لا أملك هذا اليقين، وتساءلت عن هذا اليقين، و حقيقتة؟ وكيف نصل إليه نحن من عشنا حياة مادية لاتؤمن إلا بالمحسوس والملموس والمقدمات والنتائج، فرغم حرص الكثيرين منا على الرقية إلا أن الأمر بالنسبة لهم لا يتعدى كونه إحياءا للسنة، وإبراء للذمة على مبدأ "ومعذرة إلى ربكم"، ولكن ماذا عن اليقين الذي يأتي معه الشفاء؟، لقد ظننته شيئا غير موجود في عالمنا ومن الصعب الوصول إليه، فأكثرنا حين يرفع يدية بالدعاء يكون في قلبه شيئا من الجمود أو التبلد أو الجفوة، لا أعرف تحديدا كيف أسميها، ولكن هذا ليس الإيمان كما أتخيله، وليس القرب كما اتصوره، ذلك القرب الذي يملأ القلب نورا والفؤاد شوقا وحبا وتسليما، لقد عشت أيامي اجتهد وأسأل ربي هذا الأمر وكنت أظنه غير موجود، حتى في أحلك لحظات محنتي ظلمة كنت أشعر بشيء قاس يحتل فؤادي، ابتهل فلا تدمع عيناي، وان بكت العيون فلا يرتجف القلب، هناك شمعة لا تزال لم تضيء بعد، ولولا أنني شعرت بحلاوة ضوئها في لحظات قليلة كأنها الحلم لظننت أنها غير موجوده وأنني أسعى وراء السراب.
وجاءت الحظة التي رأيت اليقين ماثلا أمامي حقا، كان ذلك منذ أيام حين مرضت دجاجة ابني الصغير، وقفت المسكينة في أحد الأركان رافضة الماء والطعام، بالكاد تفتح عينيها، حاول معها بكل السبل دون جدوى فغادر وعقله لا يتوقف عن العمل في البحث عن وسيلة ناجعة لإنقاذ طيره المسكين.
بعد لحظات اقترب مني في تردد قائلا: هل يمكنك أن تقرئي عليها ما تقرئيه علينا من قرآن عندما نمرض؟
سيطرت على تعبيرات وجهي حتى لايشعر بأنني قد أسخر منه ومن محاولاته التي لا تعرف اليأس، واقترحت عليه ان يقوم هو بالأمر بنفسه، ثم لقنته ما سيقول، غاب لبعض الوقت ثم عاد وقد ملأت السكينة وجهه بعد أن أتم المهمة، وأمضى بقية يومه في الإبتهال إلى الله أن ينقذ طائره الصغير.
في صباح اليوم التالي، قمت لصلاة الفجر وأنا متلهفة لأرى ماذا حدث للدجاجة الصغيرة، وكانت المفاجأة لقد عادت لنشاطها المعهود ولشهيتها للطعام والشراب، لا أعرف لماذا شعرت بسعادة لا حدود لها، المشكلة في يقيننا وليس في القرآن، لقد ملك الطفل الصغير اليقين الذي لا تشوبه الشكوك والظنون، ولم تلوث صفحته الذنوب، ملك الفطرة التي تستطيع أن تؤمن يقينا وصدقا، ولهذا جنى ثمرة إيمانه غضة يانعة، هكذا يكون اليقين ومن هنا يأتي الشفاء،ولكن يبقى السؤال كيف السبيل لهذا اليقين؟، وكيف ننقى فطرتنا التي لوثتها أياد مدنية لهثنا وراءها فأكسبتنا الراحة والرفاهية وقسوة القلوب؟
ربي برحمتك استغيث، فأنت ملجئي وملاذي فأعني، وخذ بيدي إلى دوحة ايمانك الغناء حيث السكينة والطمأنينة واليقين.

الجمعة، 30 أبريل 2010

الكيماوي وداعا

مع اقتراب جرعات الكيماوي من نهايتها كان جسدي المسكين يزداد ضعفا وشحوبا، وان كانت آلامي بدات تتراجع مع اضمحلال الورم شيئا فشيئا، وأوردتي المسكينة بدأت تصرخ ألما ، وكان ألمها يزداد في كل مرة، ولكن النجاح الذي يحققه العلاج جعل الألم يهون، واقتراب النهاية دفعني لأشد نفسي وأزيد من مؤازرتها وتشجيعها، هيا يانفس لم يعد أمامنا الكثير، لقد مر معظم الطريق ولم يعد أمامنا سوى القليل، ان كنت تتألمين فمن من البشر لا يتألم ولكن كل كما قدر له ربه، فهل نحن إلا في اختبار كبير، استمري فقد أبليت حسنا حتى الآن وعليك إكمال المسير،استعيني بالله، تذكري الثواب الكبير الذي ينتظرنا، لا تسمحي للضعف ان يصل إليك، سدي على القنوط كل سبيل، لقد قررنا أن نحيا أقوياء، وأن نسعى ان لم نحقق النجاح في الدنيا أن يكون لنا بإذن الله مكانا في الجنة بين الصابرين المحتسبين، ياله من هدف يستحق العناء فلأجل ذلك فليعمل العاملون وليتنافس المتنافسون، ان أردت التأوه فليكن ذلك بين يدي ربك، اسكبي العبرات عند بابه، انظري هاهو شعاعه الأمل يزداد لمعانا وبريقا يوما بعد يوم حتى كاد يحول حياتنا لنهار مشرق.

مع مرور جرعات الكيماوي، كانت الوجوه التي أقابلها قد أصبحت مألوفة لي تجمعنا غرفة العلاج، تتقابل الأسرة، كلمة من هنا، دعاء من هناكمشاركة في الهم نفسه، دفعات من الأمل تتبادلها المريضات، نلتقي على الأمل، ونتفارق على دعوات متبادلة بالصحة والعافية، انهاء إحدانا لجرعاتها فيض أمل تبثه في قلوب الأخريات، ودخول مريضة جديدة يدفعنا لمؤازرتها بأن الطريق سيهون بالصبر والدعاء.

ورغم ذلك كم كنت أشعر بالسعادة حين يقرر الطبيب لأي سبب تأجيل موعد جرعتي، فعدم أخذ الجرعة في موعدها يعني بضع أيام بلا آلام معدة أو دوار أو شحوب، ويالها من أيام ثمينة يمكنني أن أمارس فيها حياتي بشكل طبيعي، وأغتنمها في عمل شيء مفيد، قبل أن أدخل في جولة جديدة من الضعف في رحلتي مع الكيماوي.

لم استطع ان امنع نفسي من التحسر على الأيام التي أضعتها من حياتي وقت القوة في لاشيء، وعلى الأعمال التي أجلتها وأنا بكامل صحتي. آه..ما أكثر تلك الأوقات التي تضيع من حياتنا، ليتني أستطيع أن أصيح لأنبه الناس بألا يضيعوا ساعة قد لا تأتي من جديد، ولا يأجلو عمل يريدون القيام به فلا يعلم أمر الغد إلا الله وحده.

الكيماوي من جديد

لا شيء أصعب على انسان صعد إلى الدور الثاني عشر على قدمية من أن يكتشف أنه قد وصل للمكان الخاطئ وأن عليه أن يعيد الكرة من جديد، ولا شيء أصعب على مريض السرطان من أن يكتشف أن المرض قد عاد للظهور وأن عليه أن يسير في طريق العلاج ثانية.
لقد عادت ذاكرت شهورا للوراء، تذكرت إحدى الزميلات التي جمعني القدر بها أثناء تلقي جرعات الكيماوي كنت أرى دموعها، فأتمنى لو أذهب أليها ناصحة إياها بالصبر، والإحتساب، فقد سبق لها الإصابة منذ سنوات بالمرض ومن الله عليها بالشفاء، وكنت أقول لنفسي يجب أن تكون أكثر قوة، ولكني اليوم بعد أن وجدت نفسي أعود للصراع مع المرض من جديد أقدر شعورها، إنه إحساس العارف الذي يعيش المصاعب للمرة الثانية، ويعيد صعود السلم الصعب من جديد، وتطارده أشباح المخاوف والآلام والتساؤلات الحيرى ثانية دون أن تعطيه الفرصة للراحة والتقاط الأنفاس.
لقد زف لي طبيبي البشرى بأن العلاج هذه المرة سيكون على شكل أقراص ولن يكون له نفس الآثار السيئة للعلاج الكيماوي، لقد بث هذا الخبر الكثير من البشر إلى نفسي، ولكن يظل السؤال، هل هذه الأقراص ستكون نهاية المطاف في رحلة العلاج أم أنها مجرد وسيلة لتأخير زحف جيش من المتاعب والالام قادم في الطريق لا محالة؟!
سيظل هذا السؤال بلا إجابة فالشفاء بيد الله سبحانه، هو القادر عليه، وكل ما يحدث مجرد محاولات لن يكتب لها النجاح إلا بإدراته سبحانه، أما اليوم فأنا بحمده أشعر بالعافية رغم كل ما بي من مرض لم يكشف عن وجهه القبيح بعد إلا من خلال التقارير الطبية، فليكن اليوم أفضل، ولنترك التفكير في الغد لخالقه ومدبر أمره فهو القادر على أن ينزل علي رحمة من عنده ويرفع البلاء، ولا يسعني إلا أن أردد دعاء نبي الله أيوب " ربي إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين"

10 ساعات بعيدا عن العالم

10 ساعات فصلتني عن الحياة ثم عدت من جديد.
10 ساعات كنت خلالها أقرب إلى حياة سكان القبور منها إلى حياة سكان الأرض.
10 ساعات مرت علي كأنها دقائق معدودة وعلى من ينتظرني كأنها سنوات طويلة.
أغمضت عيني السابعة صباحا وأنا أردد الشهادة وأسبح ربي عسى أن يكون ذلك آخر عهدي بهذه الدنيا، وفتحتها في الخامسة مساءا وأنا أعاني من آلام عديدة لا أعرف لها مصدرا ولا مكانا محددا، أغمضتهما وأنا برئتين كاملتين لأفتحهما بثلث رئة مفقود، وصدر مشقوق وجرح طوله 40سم.
10 ساعات لم أشعر خلالها بشئ لكنها غيرت حياتي تماما فمعها قد عدت من جديد.
عدت من جديد..كلمات ثلاث تصف بدقة ما حدث خلال تلك الساعات العشرة التي مرت علي كأنها إغفاءة قليلة، ولكن الفارق مابين الغفوة والإستيقاظ كان كما الفارق بين الحياة والموت.
لقد عشت ليلتي قبل العملية وكأنها ليلتي الأخيرة، ليس خوفا، ولا قنوطا، ولا يأسا من رحمة الله بقدر ما كان تسليما وتطبيقا لوصية الرسول الكريم بأن نعمل للآخرة كأننا نموت غدا، وهل هناك موت أكثر من الإستسلام لمشرط الجراح في جراحة كبرى؟! لقد صليت ثم كتبت وصيتي وتركتها في درج غرفتي مستودعة إياها ربي، فلم أشأ ان اسلمها لأي انسان ليسمعني محاضرة عن الأمل وعن ضرورة عدم اليأس وانتظار الأفضل، فهل هناك أمل أكثر من ان تسأل ربك العافية ثم تؤدي أمانتك وتنام قرير العين حتى تحين لحظة بداية الرحلة التي لا يعلم نهايتها إلا الله ساعدني على ذلك المهدئ الذي أوصى لي به الطبيب، وان كنت في وقتها قد شعرت بطمأنينة لم أعهدها من قبل.
لقد كان بقائي منفردة في المستشفى ليلة الجراجة أكثر القرارات صوابا، فما أحسن للإنسان في تلك اللحظات من أن يتصالح مع نفسه ويحاورها، ويرتب عليها ويهدئ من روعها، فهو الأخبر بها والأدرى بأحوالها، مستعينا بالله على ذلك سائلا إياه العافية والطمانينة وهو القادر على بثها في كل نفس تطلبها وتصدق في طلبها، وتسعى لها بصدق، أما أن تطلبها عند انسان آخر قد يملك من الضعف أضعاف ما تملك فهذا هو الهراء بعينه.
هكذا سلمت أمري لربي وأغمضت عيني وأنا لا أعرف هل سأفتحهما لأرى تلك الوجوه الحبية من جديد أم أن تلك اللحظات ستكون آخر عهدي بها، وشتان بين ما أغمضت عيناي عليه، وبين ما فتحتهما أمامه، لقد كانت كشافات غرفة العمليات الباردة وقناع الأكسجين يغطي نصف وجهي وأنا أحاول جاهدة أن تكون الشهادتين آخر ما انطق به وحولي عدد لا أذكرة من الأطباء والممرضات كل يقوم بعمل محدد بسرعة ودقة هو آخر عهدي بالدنيا، وحين فتحت عيناي شعرت بفراشي يهتز وهو يتحرك عائدا لغرفتي وحولي عدد غير قليل من الأطباء والممرضات، وأنا أغص بما في حلقي من مخلفات الجراحة والطبيب يطلب منى طرد تلك المخلفات قدر طاقتي، والألم يلف جسمي لا أكاد أعرف من أين يأتي، البرودة تلف أوصالي والممرضات يتسابقن لتدفئتي بالمزيد من الأغطية، ولكني هنا من جديد، ولكني أكثر ضعفا وألما مثل وليد صغير يرقب من حوله أن يصرخ صرخة الحياة، لقد عدت من رحلتي التي مرت في دقائق معدودات كانت ساعات طويلة على من ينتظرني، وعلي أن أتحمل المزيد من الآلام حتى تلتئم جراحي، وأستعيد عافيتي، وان كنت لم أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير في إحساس الإنسان بعد الموت، هل سيختلف كثيرا عن إحساسي حين كنت في غرفة العمليات حين انفصلت عن هذا العالم، وعدت إليه من جديد، ربي لك الحمد على الحياة بعد الموت، والنجاة من الهلاك، ربي اتمم نعمتك علي فأنت وحدك القادر على ذلك.

الأحد، 25 أبريل 2010

تأملات خائفة

ما أرحم الله بنا حين أخفى عنا موعد موتنا الذي يقتر منا على الدوام، فياله من خوف يسيطر على المرء حين يشعر طوال الوقت أن الموت يطارده، وأن الأجل قد حان، يصبح التفكير في الغد شيء هزلي خيالي.
من منا لايعرف ان الموت هو الحقيقة التي نعيش من أجل الوصول إليها ونستعد لها منذ أن صرخنا صرخة الميلاد، لكن الفرق بين أن تعرف هذه الحقيقة وان تعيش فيها هو الفرق بين الأرض والسماء.
ان من يستشعر الموت في كل لحظة كمن تتعلق عيناه بعقارب الساعة التي لا تتوقف عن الدوران منتظرا صافرة النهاية، أو خبرا أو حدثا على وشك الحدوث، يصبح استمتاعه بالحياة مسالة وقتية، الضحكة مرة بمرارة السيف المسلط على رقبته، حقا كلنا نعيش بهذا السيف، ولكن شتان بين أن يكون موجودا، وأن تشعر ببرودته على نحرك، وينعكس لمعان نصله على محياك.
هكذا أشعر ويشعر كل من واجه الموت بأي وسيلة كانت، ولكن تختلف ردود الأفعال.. كثيرا ما تنخفض حالتي المعنوية إلى الصفر، بل إلى مادونه، أشعر بجدران المنزل تنطبق على صدري، اتمنى لو أن لي صوتا أقوى وأقوى فأصرخ بكل ما أوتيت من قوة، أو أن أملك جناحان لأحلق عاليا هربا من تلك الجدران، ولكن لا مهرب من القدر، علي ان أواجه وأن أعيش اليوم وأنتظر الغد، ولا أكل فلا يقنط من رحمة الله إلا القوم الكافرون، اللهم لا تجعلني منهم، اللهم لا تجعلني منهم، اللهم لا تجعلني منهم.
أحيانا أخرى أشعر وكأنني انظر إلى كل ما يحدث وكأنني في حلم مزعج، أحاول الإستيقاظ فلا أستطيع، هل حقا يحدث لي كل ذلك، هل حقا يجب أن أستعد لما هو أسوأ، أم أن الحلم سينتهي وأعاود الإستيقاظ من جديد؟؟
يحل المساء فألجأ إلى فراشي، أطالع الظلمة من حولي فأستشعر ظلمة القبر، أشعر أن غطائي هو الكفن، أحاول أن أتخيل كيف يكون إحساس المرء في تلك الحظة، يقف عقلي عاجزا، ويخفق قلبي خوفا من المجهول، ياله من شعور مهيب أشفق على نفسي منه!
إنها لحظات لا أستطيع لها دفعا، وأفكارا لا أجد منها مهربا، ومخاوف تصر على ملاحقتي، ولكن رحمتك ربي أوسع وأوسع، فأنت ملاذي وملجئي، فوضت أمري إليك فأجرني من ضعف نفسي ومن قلة حيلتي، وارزقني الصبر على البلاء، ربي أستغيث بك من نفسي، فيا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني.

وجوه تنبض بالحياة

إذا ساقتك قدماك قدرا إلى مركز أو مستشفى لعلاج السرطان، فما هو الإحساس الذي سيسيطر عليك؟؟.. هل ستشعر بالشفقة على هؤلاء المرضى وتدعو لهم بالشفاء، وتشكر اله على نعمة العافية؟؟..لا شك أن هذا سيكون جواب الكثيرين منا، بل أن البعض سيسارع بالخروج من هذا المكان الكئيب الذي يبعث الوجود بداخله على الألم بل والخوف أحيانا، خاصة وأن معظمنا يستشعر الموت وهو يحوم حول هذا المكان، وهكذا كنت أشعر انا أيضا في المرات القليلة التي مررت بهذا المكان، فقد تزامنت كلمة سرطان في أذهاننا مع كلمة ألم شديد ومعاناة ثم موت، ولكنني حين دخلتها مريضة أحمل بين يدي تحاليلي وأشعاتي وفحوصاتي وجدت للأمر نظرة جديدة.
سيسيطر عليك إحساس غريب وأنت تخطو إلى هناك على قدميك لا تتمزق ألما، وتزداد دهشتك وانت تتفرس في الوجوه التي تنتظر دورها في الدخول للطبيب، انهم أصحاء مثلنا، أو هكذا يبدون، يتحدثون، يتحركون، يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، نساء تقضين الوقت في الثرثرة، ورجال في قراءة الصحف، بل أن بعضهم كان يأخذ جرعة الكيماوي أو جلسة الإشعاع ثم يتجه إلى عمله، ومنهم من كان يتابع عمله ومهامه بالهاتف أثناء تلقي العلاج، وإذا خرجوا للشارع لن يصدق من يراهم أن هذا الإنسان مريض بهذا المرض الخطير، وأنه قد خرج توا من جلسة علاج، هكذا هم يمارسون حياتهم مثلنا تماما، وهكذا تعلمت منهم، وقررت أن أكون.
حقا إن المرض خطير، ومضاعفاته أخطر، والشفاء منه لا يكون إلا برحمة الله فهو حقا خبيث لايعرف غدراته ومفاجآته إلا الله، ولكن الإصابة به لا تعني أن الأمر قد انتهى وأن الحياة قد توقفت، فلنا في هذه الحياة أيام سنُسأل عنها، وساعات نحن من سنختار كيف نقضيها، ولا يزال معنا جسد قادر على العطاء والعمل، فالأمل موجود مادام في جنباتنا نفس يتردد، وطالما كان لنا رب سميع مجيب قادر على كل شيء رحيم بعباده يغيث الملهوف ويكشف السوء، ومادام لنا ألسنة تلهج بالدعاء وقلوب محبة تدعو لنا بظهر الغيب.

رفيقي وملاذي

ما أسهل أن يعقد الإنسان النية على فعل شيء ما، ولكن الصعب أن يجاهد لإثبات صدق نيته، والهوان أن يرفع راية الإستسلام خفاقة شاهدة على كذبه فيما اعتقد أنه قد عقد العزم عليه.
لقد أدركت هذا جليا حين ذهبت لأحد المراكز وبداخلي رغبة حقيقية في حفظ كتاب الله كاملا، فقد كانت طبيعة عملي غير المرتبطة بمواعيد معينه خير عون لي على ذلك، وفراغي شبه الدائم ساعات الصباح مشجعا لي على المضي قدما، وهكذا كانت بدايتي في حفظ كتاب الله كوسيلة لشغل ساعات الفراغ الثمينة فيما ينفع، وما أن بدأت حتى بدأت آلام المرض تغزوا جنباتي، واستغرقتني رحلة العلاج، ومع زيادة ألمي ومعاناتي من الآثار الجانبية للعلاج كان تمسكي بالمحافظة على حلقتي يزداد، لقد تحولت حلقتي بالنسبة لي إلى جهاد لإثبات صدق النية، وسخر اله لي أخواتي ووالدتي ليعينوني على الوفاء بما ألزمت به نفسي أمام ربي، فكنت ألزم الفراش أياما بعد جرعة الكيماوي فتتسابق أخواتي في تجميع ما فاتني وتوصيله لي، وما أن تمر الأيام العصيبة وتأتي فترات الهدنة حتى أشمر عن ساعد الجد لأعوض ما فاتني، كثيرا ما كنت أخرج من الحلقة إلى المستشفى، ولكني رفضت التخلي عن هذا الخير الذي تحول مع الوقت إلى التمسك بالأمل والحياة ذاتها، والصرلع من أجل نيل المزيد من الثواب والخير في الوقت المتبقي لي في هذه الدنيا والذي لايعلم إلا الله هل يطول أم سيقصر أكثر مما كنت أتخيل، وعقدت العزم على الإستمرار مادمت قادرة على الحركة، وإلا فكيف يكون صدق النية؟! وان لم يمهلني عمري لأكمل المشوار أكون على الأقل قد برهنت حتى النهاية أنني قد عقدت العزم صدقا وحقا عسى ربي أن يجعله في ميزاني، وكنت أشعر بالنور يضيء جنبات حياتي في كل يوم أضيف إلى رصيد حفظي وجها جديدا، وربعا آخر، اللهم ربي لك الحمد والمنه، لقد كان القرآن الأمل الجديد الذي نبت في نفسي والروح التي دبت فيها، يقل تركيزي بسبب العلاج فأجاهد مع كتاب ربي لتقويته من جديد، يزداد ضعفي فيأبى جسدي الإستسلام فموعد الإختبارات قد اقترب،ومع انتهاء آخر جرعات الكيماوي كنت أستعد للإختبار في الأجزاء السبعة الأولى، وكم كانت سعادتي حين اجتزتها بنجاح، ومع حلول العطلة بدأت أستعد لإجراء العملية الجراحية التي من الله علي أن كانت في العطلة فلم تكن سببا في انقطاعي عن حلقتي.
وفي الشهور الأخيرة وبعد ان مرت مرحلة العلاج الأولى، وكنت قد تخيلت أن مشكلتي قد انتهت، كثيرا ما كنت أغمض عيني فأراني وقد ختمت كتب الله وحصلت على السند، وأن أمي بجانبي في تلك اللحظة لأسعد قلبها كما آلمته، واشهدها أنني قد بررتها ووالدي قدر طاقتي، وأنني قد بذلت جهدي لألبسها تاج الوقار، وكنت أزرف الدمع وأنا أتخيل هذا الموقف، ولكن المرض أبى إلا أن يكمل معي الصراع في جولة جديدة لا يعرف نهايتها إلا الله متزامنا مع الوقت الذي أستعد فيه لآداء إختبار في النصف الأول من كتاب الله، فهل سأتمكن من اكمال المشوار وإلباس والديّ تاج الوقار؟!
اللهم أشهدك أنني قد عقدت العزم والنية ، ولن أترك ما عزمت عليه حتى اتمه، أو يحدث الله أمرا كان مفعولا، فأعني يا إلهي واجعل القرآن الكريم حجة لي لا حجة علي واجعله شفيعا لي وارزقني الإخلاص في حفظه وعلمني منه ما جهلت، وذكرني منه ما نسيت، وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار.

أمي..الحب الأزلي

كم ترددت قبل أن أكتب عنها، أمي ذلك اللسان الذي لم يكل من الدعاء لي بظهر الغيب، ولا من العطاء بلا حدود، ولا من اللهفة والترقب، كم كنت اتمنى لو لم أكن قد صارحتها بمرضي، ولم أكن قد سهلت لها ان تترك حياتها لتمضي الشهور بجواري وأنا مريضة ترعى ابنائي بدلا مني، وتشد من أزري، فقد كنت أشعر بالذنب أنني وأنا من يجب ان أرعاها وأرد لها الجميل وأبرها اكون أننا سبب ألمها وهمها، ولكن هل عن دعاء الأم بديل؟!!
كانت أشد اللحظات على نفسي تلك التي أرى فيها خوفك علي، وأرى الألم الذي تحاولين إخفاؤه عني في عينيك، لقد حاولت يا أمي أن أتماسك حتى لا أسبب لك المزيد من الألم، وأحمد ربي أن أعانني على ذلك.
لقد كان ولا زال دعائك أمي أكثر ما سعيت إليه وتمنيته، ورحمة أهداها الله لي في محنتي، كما كان وجودك بجواري بلسما يهدئ نفسي، ويشعرني بالطمأنينة على فلذاتي كبدي، فأرجو أن تغفري لي ما سببته وأسببه لك من ألم، وأسأل الله أن يرزقني لعافية لأكون لك عونا وأرعاك وأبرك قدر طاقتي يا حبي الأزلي.

الاثنين، 19 أبريل 2010

وحان وقت العمل

"أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ"
يا من قال أنا صابر حي على الصبر والجلد، يا من قال أنا مؤمنا، هيا لأثبات صدق ما تقول، فقد ولى وقت الكلام وحان وقت العمل.
لقد كان أكثر ما يخيفني وأنا استرسل في خواطري أن أعود للمواجهة مع مرضي الذي ولى من جديد، وقد كان ما كنت أخشاه، وحانت لحظة الصدق الكبير، وما أصعبها من لحظة، فلا أزال بشرا خلقت بالضعف والخوف، واليأس، وكلها أعداء أخشاها في رحلتي لأثبت لنفسي أنني كنت صادقة فيما أقول، أما ربي فهو بي أعلم وعن إثباتاتي أغنى وأعلى.
أبتهل إليك ربي ألا تجعل صبري يخذلني، وإيماني يتنصل مني ويخرج إلي لسانه قائلا "إظهري على حقيقتك أيتها الكاذبه"
ايتها النفس الضعيفة سأبذل كل ما أستطيع لأتغلب عليك، أيتها الدموع التي تنهمر سأجعل منك أنهارا تغسل الذنوب لاأمطارا تنبت القنوط، فأعني ربي على ما ابتليتني وارضني بما قسمت لي، واجعل صبري في ميزاني، واجعلني نبراسا للحق داعية له، واجعل لي من صبر مريم وايمانها نصيبا .
يا أصحاب رنات الرحمة اسألكم الإستنفار في الدعاء بظهر الغيب، وان لم يجمعنا الله على الخير في الدنيا فموعدنا ان شاء الله في الآخرة في مقعد صدق عند مليك مقتدر...آآآمييين

الأحد، 11 أبريل 2010

مريم وأنا

حين حطت أقدام مريم على أرض الكويت منذ سنوات لم تكن سوى خادمة بين العديد من الخدم الذين يحضرون ويغادرون أرض الكويت في كل يوم، ولم تكن مخدومتها تعلم ان تلك الخادمة التي دخلت منزلها والتي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة ستكون لها معها تجربة لا تنسى، فمريم الفلبينية رغم أن حياتها لم تختلف كثيرا عن مثيلاتها، إلا ان موتهاكان عبرة ودرس، لقد منحتنا بموتها القدوة في التمسك بالحياة،فمنذ أن علمت مريم بحقية آلامها التي بدأت تزيد فجأة لتكشف عن وجهها الخبيث الذي وصل مرحلة متأخرة، وحتى لفظت أنفاسها الأخيرة لم ترض باليأس ولم تترك الأمل حتى أنها غيرت حياتها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وقررت أن تعتنق الإسلام قبل وفاتها ب11 يوما، وكانت تصطحب معها الكتيبات والأشرطة إلى غرفة العناية المركزة، لم تمنعها آلامها واقترابها من الموت ورئتيها العليلتين وأنفاسها التي بالكاد تخرج من صدرها مختلطة بسعالها الدموي أن تودع الحياة قبل أن يحين موعدها وتخسر الأيام الثمينة المتبقية منحياتها، فأثابها الله بذلك هداية لم يمنحها لكثيرين ممن ولدوا على الإسلام وشجاعة في اخاذ القرار، جعلت الشهادة آخر ما تنطق به وتدفن على الإسلام.
حين سمعت قصة اسلام المريضة الفلبينية مريم بعد وفاتها بأيام، وزرفت الدمع وأنا اعيش آلمها من خلال كلمات صفاء الداعية في صندوق إعانة المرضى والتي عاشت معها الأيام الأخيرة لمرضها وحضرت لحظة نطقها بالشهادتين ولقنتها الشهادة قبل وفاتها ان مريم ستكون لها دور في حياتي
لقد كانت قصة مريم آخر موضوع نشرته بإسمي في الصفحة الدينية بجريدتي، ولكن روحها العالية وقدرتها على التمسك بالحياة حتى اللحظات الأخيرة جعلت منها رفيقتي الدائمة في رحلة مرضي
لقد ظلت صورة مريم التي نشرتها مع موضوعي وهي تنطق بالشهادتين قبل وفاتها بأيام ماثلة أمام عيني، تشعرني بالخجل كلما ضعفت أو تسلل اليأس إلى قلبي لقد كانت مريم التطبيق الحي لمسلم ينفذ وصية رسول الله صلىالله عليه وسلم بعدم التنازل عن غرس الفسيلة حتى لو قامت الساعة، كنت أتخيلها كيف كانت تأخذ معها الكتيبات و الأشرطة إلى غرفة العناية المركزة لتستمع إليها، لم يمنعها مرضها الذي كان مثل مرضي ولكن في مراحله الأخير، ولم تستسلم لآلمها، بل ظلت تعيش وتفكر وتتخذ القرارات المصيرة بل وتغير حياتها تماما حتى الأيام الأخيرة، فلم تعيش على الإسلام إلا 11 يوماولكنها توفيت على الإسلام وهذا هو الأهم
لقد سخر الله لي مريم في مماتها لتكون قدوة وداله لي على الخير، وتعلمني أنا من ولدت على الإسلام كيف يكون الأيمان الحق، لقد أحببتها في الله دون أن أراها، كما أحببها كثيرون مثلي
رحمك الله يامريم

الخميس، 11 فبراير 2010

رنات الرحمات

ما أجمل أن يعيد الإنسان اكتشاف الناس من حوله من جديد، ويعيد مد الجسور التي قطعها الزمن بالتقادم تارة وبالدوران في دوامة الحياة اليومية تارة أخرى.
لقد كان المرض وقفة رغم قسوتها إلا أنها أعادتني إلى نفسي التي هجرتها منذ سنين، وأعادت إلى اذني لحن أصوات كدت أنساها، أصوات جمعتني بهم ضحكات الطفولة وذكريات الشباب، وساعات السمر في ليالي الشتاء وأمسيات الصيف، جمعات العائلة ولمة شمل بنات العم والخال والعمات والخالات،درسنا معا،كبرنا معا، ثم تفرق كل منا في طريقه،وهاهو خبر مرضي يجمعهم حولي من جديد، انهالت اتصالاتهم علي من كل جانب، تساندني وتشد من أزري.
يا قلبي العليل لست وحيدا، هاهي قلوب أخرى تدعوا لك بظهر الغيب، حتى من كانوا أصغر منا سنا، ولا أجد لهم في الذاكرة إلا صور لأطفال صغار نحنو عليهم ونلاطفهم ونحملهم بين ذراعينا قد أصبحوا اليوم شبابا وفتيات، وهاهم يتصلون بي كانت أسماؤهم قد انزوت في ركن الذاكرة وعلاها غبار الزمن وهاهي عادت براقة من جديد، ياه..ما أجمل أن يشعر الإنسان بكل هذا الحب والمساندة.
خالي العزيز الذي لم أره منذ 13 عاما يتصل بي نستعيد معا ذكريات مضت ما أجملها، كم كنت افتقد تلك المشاعر الحميمة والقلوب العزيزة على قلبي وهاهي محنة المرض تعيدهم لي من جديد، شعرت برغبة قوية في تجاوز محنة المرض والقفز فوق أيام المرض لأرى تلك الوجوه من جديد.

الثلاثاء، 2 فبراير 2010

أي المراحل أصعب؟

كثيرا ما شردت بذهني وأخذت أفكر الآن في مراحل المرض والعلاج الذي مررت به وأتساءل ، ترى أي تلك المراحل كانت الأصعب؟
لو كنت فكرت في إجابة هذا السؤال من قبل لما استطعت أن أجيب عنه، فلم أكن قد جربت جميع المراحل وعشتها، ولكني الآن وقد انتهيت اصبحت قادرة على الرؤية الكاملة بوضوح وقد يتعجب من يقرأ كلماتي إذا قلت له إنها مرحلة ما قبل العلاج أو فلنسميها مرحلة التشخيص إنها مرحلة الحيرة والتخبط والأمل المكذوب والإحباطات التي لا تنتهي
اليوم يقول لك الطبيب الحالة غير واضحة وغدا يكرر لانزال بحاجة لمزيد من الفحوصات، وفي اليوم الثالث يكرر قد يكون المرض قد انتشر في أماكن أخرى لابد لنا أن نعرف هل هو ثانوي أم أولي، وثالثا... ورابعا.. وخامسا دون أن ينتبه هذا الطبيب وهو يناقش ويفكر ويقرر أن الإنسان الذي يجلس أمامه ليس مجرد حالة كما يتعامل معها بل انسان ينبض قلبه ويعمل عقله ويداعبه الأمل ويخرج له الإحباط لسانه وتمزقه الحيرة بمخالبها التي لا ترحم.
لم أكره في حياتي معرفتي للغة الإنجليزية كما كرهتها هذه الأيام، فحين يحاول الطبيب أن يتحدث مع زميل له ظنا منه أنني لاأفهم ما سيقوله يفاجأ بتدخلي في الحوار ورغبتي في عرفة المزيد، هذا المزيد الذي يعتقد الطبيب أنه لايجب أن أعرف عنه شيئا الآن.
تذكرت وقتها دعاء الإمام الشافعي رحمه الله حين قال" اللهم ارزقني ايمان العوام"
لقد كنت أحتاج في تلك الأوقات لعلم ومعرفة العوام الذي يسلم القيادة لصاحبها ولا يشغل عقله في التفكير والمعرفة، لقد كانت تلك المعلومات التي أحصل عليها من هنا وهناك والجمل التي تصلني من حوارت الأطباء وفنيي الفحوصات سببا في المزيد من الحيرة فلا أحد حتى الآن يستطيع أن يعرف
حقا لم أعش في حياتي اصعب من هذا التخبط، فحين تعرف أبعاد المشكلة وتبدأ في التعامل معها تهون الأمور وتشعر أنك تسير على الدرب مهما كان صعبا ولكنك تتقدم أو حتى تقف ولكن في الإتجاه الصحيح أما هذه الحير وهذا التخبط وتلك التأرجحات مابين اليأس والأمل والإحباط كانت في نظري وان كانت لحظات الصعوبة كانت ترافقني في كل المراحل ولكن تظل تلك الأيام هي الأصعب على الإطلاقالأصعب دائما