لقد أدركت هذا جليا حين ذهبت لأحد المراكز وبداخلي رغبة حقيقية في حفظ كتاب الله كاملا، فقد كانت طبيعة عملي غير المرتبطة بمواعيد معينه خير عون لي على ذلك، وفراغي شبه الدائم ساعات الصباح مشجعا لي على المضي قدما، وهكذا كانت بدايتي في حفظ كتاب الله كوسيلة لشغل ساعات الفراغ الثمينة فيما ينفع، وما أن بدأت حتى بدأت آلام المرض تغزوا جنباتي، واستغرقتني رحلة العلاج، ومع زيادة ألمي ومعاناتي من الآثار الجانبية للعلاج كان تمسكي بالمحافظة على حلقتي يزداد، لقد تحولت حلقتي بالنسبة لي إلى جهاد لإثبات صدق النية، وسخر اله لي أخواتي ووالدتي ليعينوني على الوفاء بما ألزمت به نفسي أمام ربي، فكنت ألزم الفراش أياما بعد جرعة الكيماوي فتتسابق أخواتي في تجميع ما فاتني وتوصيله لي، وما أن تمر الأيام العصيبة وتأتي فترات الهدنة حتى أشمر عن ساعد الجد لأعوض ما فاتني، كثيرا ما كنت أخرج من الحلقة إلى المستشفى، ولكني رفضت التخلي عن هذا الخير الذي تحول مع الوقت إلى التمسك بالأمل والحياة ذاتها، والصرلع من أجل نيل المزيد من الثواب والخير في الوقت المتبقي لي في هذه الدنيا والذي لايعلم إلا الله هل يطول أم سيقصر أكثر مما كنت أتخيل، وعقدت العزم على الإستمرار مادمت قادرة على الحركة، وإلا فكيف يكون صدق النية؟! وان لم يمهلني عمري لأكمل المشوار أكون على الأقل قد برهنت حتى النهاية أنني قد عقدت العزم صدقا وحقا عسى ربي أن يجعله في ميزاني، وكنت أشعر بالنور يضيء جنبات حياتي في كل يوم أضيف إلى رصيد حفظي وجها جديدا، وربعا آخر، اللهم ربي لك الحمد والمنه، لقد كان القرآن الأمل الجديد الذي نبت في نفسي والروح التي دبت فيها، يقل تركيزي بسبب العلاج فأجاهد مع كتاب ربي لتقويته من جديد، يزداد ضعفي فيأبى جسدي الإستسلام فموعد الإختبارات قد اقترب،ومع انتهاء آخر جرعات الكيماوي كنت أستعد للإختبار في الأجزاء السبعة الأولى، وكم كانت سعادتي حين اجتزتها بنجاح، ومع حلول العطلة بدأت أستعد لإجراء العملية الجراحية التي من الله علي أن كانت في العطلة فلم تكن سببا في انقطاعي عن حلقتي.
وفي الشهور الأخيرة وبعد ان مرت مرحلة العلاج الأولى، وكنت قد تخيلت أن مشكلتي قد انتهت، كثيرا ما كنت أغمض عيني فأراني وقد ختمت كتب الله وحصلت على السند، وأن أمي بجانبي في تلك اللحظة لأسعد قلبها كما آلمته، واشهدها أنني قد بررتها ووالدي قدر طاقتي، وأنني قد بذلت جهدي لألبسها تاج الوقار، وكنت أزرف الدمع وأنا أتخيل هذا الموقف، ولكن المرض أبى إلا أن يكمل معي الصراع في جولة جديدة لا يعرف نهايتها إلا الله متزامنا مع الوقت الذي أستعد فيه لآداء إختبار في النصف الأول من كتاب الله، فهل سأتمكن من اكمال المشوار وإلباس والديّ تاج الوقار؟!اللهم أشهدك أنني قد عقدت العزم والنية ، ولن أترك ما عزمت عليه حتى اتمه، أو يحدث الله أمرا كان مفعولا، فأعني يا إلهي واجعل القرآن الكريم حجة لي لا حجة علي واجعله شفيعا لي وارزقني الإخلاص في حفظه وعلمني منه ما جهلت، وذكرني منه ما نسيت، وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق