10 ساعات فصلتني عن الحياة ثم عدت من جديد.
10 ساعات كنت خلالها أقرب إلى حياة سكان القبور منها إلى حياة سكان الأرض.
10 ساعات مرت علي كأنها دقائق معدودة وعلى من ينتظرني كأنها سنوات طويلة.
أغمضت عيني السابعة صباحا وأنا أردد الشهادة وأسبح ربي عسى أن يكون ذلك آخر عهدي بهذه الدنيا، وفتحتها في الخامسة مساءا وأنا أعاني من آلام عديدة لا أعرف لها مصدرا ولا مكانا محددا، أغمضتهما وأنا برئتين كاملتين لأفتحهما بثلث رئة مفقود، وصدر مشقوق وجرح طوله 40سم.
10 ساعات لم أشعر خلالها بشئ لكنها غيرت حياتي تماما فمعها قد عدت من جديد.
عدت من جديد..كلمات ثلاث تصف بدقة ما حدث خلال تلك الساعات العشرة التي مرت علي كأنها إغفاءة قليلة، ولكن الفارق مابين الغفوة والإستيقاظ كان كما الفارق بين الحياة والموت.
لقد عشت ليلتي قبل العملية وكأنها ليلتي الأخيرة، ليس خوفا، ولا قنوطا، ولا يأسا من رحمة الله بقدر ما كان تسليما وتطبيقا لوصية الرسول الكريم بأن نعمل للآخرة كأننا نموت غدا، وهل هناك موت أكثر من الإستسلام لمشرط الجراح في جراحة كبرى؟! لقد صليت ثم كتبت وصيتي وتركتها في درج غرفتي مستودعة إياها ربي، فلم أشأ ان اسلمها لأي انسان ليسمعني محاضرة عن الأمل وعن ضرورة عدم اليأس وانتظار الأفضل، فهل هناك أمل أكثر من ان تسأل ربك العافية ثم تؤدي أمانتك وتنام قرير العين حتى تحين لحظة بداية الرحلة التي لا يعلم نهايتها إلا الله ساعدني على ذلك المهدئ الذي أوصى لي به الطبيب، وان كنت في وقتها قد شعرت بطمأنينة لم أعهدها من قبل.
لقد كان بقائي منفردة في المستشفى ليلة الجراجة أكثر القرارات صوابا، فما أحسن للإنسان في تلك اللحظات من أن يتصالح مع نفسه ويحاورها، ويرتب عليها ويهدئ من روعها، فهو الأخبر بها والأدرى بأحوالها، مستعينا بالله على ذلك سائلا إياه العافية والطمانينة وهو القادر على بثها في كل نفس تطلبها وتصدق في طلبها، وتسعى لها بصدق، أما أن تطلبها عند انسان آخر قد يملك من الضعف أضعاف ما تملك فهذا هو الهراء بعينه.
هكذا سلمت أمري لربي وأغمضت عيني وأنا لا أعرف هل سأفتحهما لأرى تلك الوجوه الحبية من جديد أم أن تلك اللحظات ستكون آخر عهدي بها، وشتان بين ما أغمضت عيناي عليه، وبين ما فتحتهما أمامه، لقد كانت كشافات غرفة العمليات الباردة وقناع الأكسجين يغطي نصف وجهي وأنا أحاول جاهدة أن تكون الشهادتين آخر ما انطق به وحولي عدد لا أذكرة من الأطباء والممرضات كل يقوم بعمل محدد بسرعة ودقة هو آخر عهدي بالدنيا، وحين فتحت عيناي شعرت بفراشي يهتز وهو يتحرك عائدا لغرفتي وحولي عدد غير قليل من الأطباء والممرضات، وأنا أغص بما في حلقي من مخلفات الجراحة والطبيب يطلب منى طرد تلك المخلفات قدر طاقتي، والألم يلف جسمي لا أكاد أعرف من أين يأتي، البرودة تلف أوصالي والممرضات يتسابقن لتدفئتي بالمزيد من الأغطية، ولكني هنا من جديد، ولكني أكثر ضعفا وألما مثل وليد صغير يرقب من حوله أن يصرخ صرخة الحياة، لقد عدت من رحلتي التي مرت في دقائق معدودات كانت ساعات طويلة على من ينتظرني، وعلي أن أتحمل المزيد من الآلام حتى تلتئم جراحي، وأستعيد عافيتي، وان كنت لم أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير في إحساس الإنسان بعد الموت، هل سيختلف كثيرا عن إحساسي حين كنت في غرفة العمليات حين انفصلت عن هذا العالم، وعدت إليه من جديد، ربي لك الحمد على الحياة بعد الموت، والنجاة من الهلاك، ربي اتمم نعمتك علي فأنت وحدك القادر على ذلك.
وكانت البدايه
قبل 14 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق