وبدأت الجولة الثالثة، جولة غير كل الجولات، بدأتها على غير موعد، وخرجت منها بعد النزال الأول بمكاسب لا تحصى وصداقات لا تعد وحب لا يتسع له الكون، وسكينة لم أعرفها من قبل، انها جولة الكنوز والمكاسب، لا يهم من سينتصر في النهاية المرض أم أنا ولكني اليوم غير ما كنت عليه بالأمس، لقد ولدت من جديد من رحم هذا النزال، قلبي مختلف، فكري على غير عادته، في نفسي شيء لم أعهده من قبل، إنه اليقين، لقد أخذ ربي بيدي أخيرا وأوصلني لحبه والرضا بقضائه، لقد كنت أظن أنني كذلك من قبل، ولكني اليوم قد ذقت حلاوة لم أعهدها، وعشت مشاعر لم أألفها، كنت كمن يحلق في سماء رحبة بلا حدود، ترفرف حولي القلوب.
لقد حملني هذا الرضا وتلك السكينة على إخفاء الخبر عن أهلى ومن أحب، فكيف يصبر من يشكو لغير ربه؟! ثم كيف يمكن لمحب ان يتحمل أن يكون مصدر قلق وألم لمن يحبهم؟ وان يحول ساعات السعادة في حياتهم إلى شقاء، والأعياد والأفراح إلى أحزان؟!
ان كان في الكون محب بهذا الشكل فلست انا هذا المحب، خاصة لك يا أمي فليس أشد على نفسي من أكون سبب ألمك منذ سنوات ومبعث قلقك الدائم أنت من يفترض بي أن ابرك، وادخل السعادة إلى قلبك.
ايتها القلوب المحبة سامحوني، لم أقصد أن أخفي عليكم ألمي، ولكني آثرتكم على نفسي، واستبدلت بأعيادكم أعيادي، وبفرحكم أفراحي، ونأيت عنكم بآلامي برا وحبا فلا تلوموني.
لقد منعني قلبي المحب وعقلي ان ابث أليكم ألمي وانتم بعيدين عني فالمسافات ستجعل من الهم هموما ومن الغم غموما ومن الألم آلام، ثم ما النتيجة بعد كل هذا سأظل أنا على حالي وانتم على حالكم، فان كنت لا استطيع لنفسي شيئا فإنني استطيع ان ابعدكم عن القلق ولا أفسد عليكم العيد، وقد كان لي ما أردت بحمد ربي فعوضني بقلوب محبه، ودعوات لا عدد لها ولا حصر، وعيد غير كل الأعياد لا أعتبره على فراش المرض، بل بين يدي الله، لقد قضيت العيد مع ربي، تحفني الملائكه، صدقوني شعرت بها، وعشت أيام سكينة لا مثيل لها، وخرجت من هذه المنحة بعطايا لا أحصي لها عددا وبحب يملأ الكون ويفيض، لقد شعرت وكأنني على صعيد عرفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق